آخر الأخبار

حلقات جامع الفنا ـ 17 ـ

أقلام كتبت عن الساحة

كتب عن ساحة جامع الفنا العديد من الأدباء والشعراء منذ القدم بعضهم هاجر بلده الأصلي ليستقر بالمدينة وقد استهوته الساحة  ك:إلياس كانيتي الذي اغرم بتنوع الحلقات الشعبية وحيوية الألوان وكأنها كتبا مفتوح لا يمل من قراءته،في حين يرى أحمد الطيب العلج أن الساحة تضم كذلك الواعظ الوسيم بالعربية والأمازيغية : “..ونجد في جامع الفنا حلقة الفقيه المحدث الذي يفسر القرآن لعامة الناس،إن بالعامية  لمن يعرف العربية،وإن بالأمازيغية لمن لا يعرف العربية.وكان هذا الفقيه يقوم بدور الواعظ والمرشد والمفتي في أمور الدين،وعنده دائما الجواب لكل سؤال،وأذكر أني رأيت هذا الفقيه يأتي بآنية ماء ويعلم الناس فرائض الوضوء بطريقة علمية،وسمعته يترجم القرآن إلى الأمازيغية والمصحف في يده،وأحتفظ في ذاكرتي لرجل كنت  قد رايته مرارا بعد ذلك في جامعالفنا كان رجلا وسيما رائعا مهيابا يتمتع بوقار اكتسبه من وجهه الجميل،ومن بعض الشيب الذي خضب لحيته الكثة السوداء هذا الرجل الفنان كان يلعب بالسكاكين يرمي بها ويتلقاها بخفة ومهارة وفن يبدأ بسكين ثم اثنين وثلاثة ومتى وصل العدد إلى سبعة سكاكين تدور في فلك بين الفضاء ويديه،يطلب من جمهوره أن يرفع صوته بالصلاة والسلام على النبي ( صلعم )…وسمعت بأذني في جامع الفنا من يخاطب جمهوره قائلا: إذا كنا نظى بإعجابكم فأنتم تححظون بإعجابنا وأن حلقتنا بلا وجودكم والتفافكم لا شيء بالإطلاق،ومتعتنا بكم لا تقل عن متعتكم بنا…”

أما الحسن اليوسي فيتحدث عن أصناف البشر وألوان الطعام بالساحة في القرن الحادي عشر الهجري يقول : ” ودخلت في أعوام الستين وألف مدينة مراكش عند رحلتي بها في طلب العلم فخرجت يوما إلى الرحبة ( جامع الفنا ) أنظر المداحين فوقفت على رجل مسن عليه حلقة عظيمة وإذا هو مشتغل بحكاية الأمور المضحكة للناس،فكان أول ما قرع سمعي عنهأن قال: اجتمع الفاسي والمراكشي والعربي والبربري والدرواي فقالوا: تعالوا فليذكر كل منا ما يشتهي من الطعام،ثم ذكر ما تمناه كل واحد بلغة بلده وما يناسب بلده،ولا أدري أكان ذلك في الوجود أم شيء قدره وهو كذلك يكون،وحاصله أن الفاسي تمنى مرق الحمام  لايبغي الزحام،والمراكشي تمنى الخالص واللحم الغنمي،والعربي تمنى البركوكش بالحليب والزبد،والبربري تمنى عصيدة أنلي وهو صنف من الذرة بالزيت،والدراوي تمنى تمر الفقوس في تجمدرت ولو عرضت هذه الحريرة علىالعربي لم يشربها إلاّ من فاقة إذ لا يعتادها مع الاختيار،ولو عرضت العصيدة على الفاسي لا رتعدت فرائصه من رؤيتها وهكذا…”

خوان غويتوسولو الذي كتب العديد من المقالات عن الساحة ولعب دورا كبيرا في تصنيفها كتراث شفوي عالمي للإنسانية يقول الأديب الإسباني: “…لكن جامع الفنا تقاوم الهجمات الموحدة من طرف الزمن والحداثة الخليعة البليدة،لم تنقرض الحلقات بل برزت مواهب جديدة،والجمهور المتعطش دوما للحكايات يحتشد حول المداحين والفنانين.بينما يستطيع المكان بفضل حيويته الخارقة وقدرته الاستيعابية أن يجمع الشتات  وأن يلغي مؤقتا كل الفوارق الطبقية.أما الحافلات المحملة بالسياح فما أن تجنح كالأسماك على أطراف الساحة حتى تأخذها هذه الأخيرة في عكاشتها الدقيقة وتذيبها بعصارة معدتها.وعلى نور مصابيح الغاز تراءى لي حضور كاتب كّاركّنتويا وخوان رويس وتشاوسر وأبي زيد والحريري وكذا عدد كبير من الدراويش أما صورة ذلك البليد الذي يتبادل القبل مع تليفونه المتنقل،فرغم بذاءتها لا تشوه شفافية هذا الفضاء المثالي و لا تبخسه،تتوهج الكلمات وتتألق وتمد في عمر هذا الملكوت الخارق،لكن الخطر المحدق بالساحة يقلقني أحيانا،فيتكوم الخوف سؤالا على شفتي،إلى متى؟؟

وصف الفقيه لمفضل أفيلال التطواني ساحة جامع الفنا عندما زارها سنة 1816 : ثم ذهبت لجامع الفنا،خال من البنا وقد جمع بين أصناف وأجناس من أطراف،واحتوى على أوباش وأكباش،وهم بين قائم وقاعد وماش،بعضهم يصغي للمداحين ويزدحم على الشطاحين،إلى غير ذلك مما هو ملوم كذوي الرقية والسحر والكي على بوزلوم.