مولاي امحمد الجابري حكواتي من القدماء
اعتاد مولاي امحمد الجابري الجلوس في ركن صغير لا يكفيه لمد رجليه في الساحة يروي قصص الأنبياء وسير الأولياء مما يحتفظ بما اختزنته ذاكرته القوية وخياله الجياش من العنترية والأزلية وألف ليلة وليلة رغم آثار السنين المحفورة في جبينه ترى ما الذي يشد زوار الساحة إلى حلقة يروي صاحبها أخبار نبي أو رسول؟
مولاي امحمد الجابري واحد من شيوخ الرواة الذين عمروا ساحة جامع الفنا ما يناهز نصف قرن فهو ما إن يسمي الشخصية المحورية حتى ينطلق في نسج ملامحها على منوال الحكاية بخيوط من الكلام المراكشي المسنود بمختلف الصور البلاغية.
هذه المرة يستحوذ الجابري على انتباه المتحلقين بسرده لحكايتين متباينتين في نفس الوقت،حكاية مولاي إبراهيم وحكاية إطار عن قصته مع الحكاية الأولى وقدرته التخيلية على نسجها أثناء سرده للقصة/الإطار يكشف الجابري عن جانب مهم من أسرار الصنعة.
فقد كانت البداية مع مهتم أجنبي جاء إلى جامع الفنا بحثا عن راو يجري معه تسجيلا صوتيا لحكاية مولاي إبراهيم كان الجابري وقتها يعمل بإحدى المكتبات عندما عرض عليه الأمر لم يستطع الرفض وقد كان في أمس الحاجة إلى النقود رغم كونه لا يعرف عن مولاي إبراهيم أكثر مما يعرفه عامة الناس.أنها ورطة حقيقية لكن تخطيها ليس بالأمر المستحيل على صنايعي محترف.ما يعرفه الجابري عن مولاي إبراهيم هو مايعرفه طفل مراكشي صغير وهو أقل مما قد يعرفه المهتم الأجنبي.مولاي إبرهيم ولي صالح له قبة بالقرب من أسني يجري بالقرب منها موسم سنوي قبيل انعقاد الموسم يقوم القيمون على هذه التظاهرة بجمع التبرعات والصدقات عن طريق الطواف على مختلف الدواوير والقرى تصحبهم ناقة مولاي إبراهيم المزينة بعلم أخضر.
من هذه المعلومات القليلة انطلق مولاي امحمد الجابري في سرد حكايته ترى كيف استطاع أن يخلص نفسه من الورطة؟جاء النصراني يقول الجابري ووسيطه المغربي الذي كان يلعب دور المترجم كذلك هيأوا أدوات التسجيل والمكروفون وأنا لا أملك بعد فكرة عما سأرويه لهم،بدأت بشخصية مولاي إبراهيم هو طبعا ولي صالح والمرء لا يبلغ هذه المرتبة عند الناس إلا إذا كان ضليعا في أمور الدين،لذلك بدأت حديثي معهم عن قصة مولاي إبراهيم مع طلب العلم،وكيف كان شغوفا بحفظ القرآن الكريم وأحاديث النبي ( صلعم ) ورويت في ذلك ما يحصل عادة بين المعلم والتلميذ أو بين الصنايعي والمتعلم المحب للمعرفة ،ثم انتقل إلى الموقع الجغرافي فلكي يصل الولي الصالح إلى موقعه عليه مغادرة مراكش من باب الرب ثم المرور بالشريفية وتحناوت.وهنا بدأت باستغلال الرموز الأخرى،لكي تكون لناقة مولاي إبراهيم قصة معقولة جعلتها مطية الرجل في سفره نحو أسني وكذلك فعلت بالإزار الأخضر الذي خلعه عليه وهو يسلم على جموع الناس التي خرجت للقائه في كل من الشريفية وتحناوت كنت بين الفينة والأخرى ـ يضيف الجابري ـ أـوقف قليلا للتفكير فيما سيأتي من الحكاية، لايعقل أن تكون حكاية مولاي إبراهيم قصيرة جدا، لذلك بحثت في ذاكرتي عن كل ما يمكن أن يملأ به فراغات القصة و كنت أطرح على نفسي أسئلة يمكن طرحها المتلقي نفسه،من قبيل لماذا ناقة مولاي إبراهيم وليس فرسا أو بغلا؟لماذا لا يسافر مولاي إبراهيم مشيا على الأقدام؟ربما اختار الناقة تبركا بالغضباء ناقة الرسول ( صلعم ) ربما أرادها كناقة صالح تجوب البلاد بحثا عن الهبات والأعطيات فلا يستطيع أحد أن يمسها يسوء أو ان يمنع عنها عطاء خوفا من أن يلحق به ما لحق بثمود الذين ” دمدم عليهم ربهم بذنبهم ” ولكي يكون هناك تشويق يضيف الجابري كان علي أن أضع عقبات كثيرة في طريق الولي الصالح عقبات تزداد صعوبة كلما مضينا قدما في الحكاية وهو ما يثير انتباه الأجنبي ورفيقه.