آخر الأخبار

حلقات جامع الفنا ـ 11 ـ

الفرجة التجارة الطعام

عناصر ترتكز عليها الساحة

عرفت ساحة جامع الفنا عدة أسماء ك :الرحبة، الساحة، ساحة الكبرى جامع الربح جامع الفنا وغيرها من الأسماء وقد شهدت الساحة على امتداد تاريخها الطويل أحداثا وتطورات كثيرة وتعاقبت وتداخلت حتى اكتسبت الساحة ملامحها وسماتها الحالية،وتعد الأنشطة سواء منها التجارية أو المتعلقة بالفرجة وليدة فترات زمية سالفة وليست نتاج الوقت الحالي هذه الأنشطة بدورها هي التي جعلت الساحة تتغير عبر العصور لكن مع الحفاظ طبعا على ثلاثة مميزات تعد بمثابة الأساس الذي تقوم عليه الساحة وهي النشاط التجاري الذي يظهر من حركة الدكاكين المنتشرة على جنبات الساحة والتي كانت تقتصر حتى حدود مطلع القرن العشرين على تجارة الشعير والجير والخشب بالإضافة إلى الأثواب والأشياء البالية.

عند مطلع القرن العشرين ستظهر بنايات ومتاجر ذات سمات عصرية أوربية وستنضاف إليها مؤسسات خدماتية حديثة كالبريد وبنك المغرب وبعض المقاهي ( كفي فرانس،كافي كلاصي وغيرها ) وحانات انتقلت إلى الحي الأوربي ك:ميشيل فوكو ليسكال،ثم هناك الجانب الفرجوي وهو من أهم ما يميز الساحة وقد كان في القدم يكتسي طابعا دمويا حسب بعض الرواة إذ يحكى أن الساحة حتى مطلع القرن التاسع عشر كانت تستغل لجز رؤوس من حق عليهم القول بعد ذلك تحول النشاط الفرجويى لتصبح معه الساحة مكانا فسيحا لسماع الرواة والقصاصين الذين اشتهروا بسرد سير الأنبياء و الأولياء،والبهلوانيين والمصارعين والعرافين من مختلف أنحاء المغرب كما اكتسح الأطباء التقليديون ساحة جامع الفنا حيث كانوا يستعملون طريقة الكي على الصدر والبطن،أما المحور الثالث والذي لا يمكن أن تقوم الساحة بدونه فهو الطعام وقد كان بسيطا في بدايته حيث كان يقتصر حسب بعض المصادر على الجراد المشوي والبيض المسلوق والحريرة؟،ولعل الإقبال الذي كانت و لازالت تحظى به الساحة جعلها تتميز طيلة فترات تاريخية على باقي المعالم الأثرية التي تزخر بها المدينة إذ ما يكاد يستوقفك سائح أجنبي حتى يسألك عن اتجاه : بلاص جامع الفنا “كأنه قدم إلى مراكش لا لشيء سوى رؤية الساحة التي سمع عنها الكثير.

تعيش ساحة جامع الفنا خطرا كبيرا اليوم يهدد إشعاعها الثقافي الذي يمتد في عمق تاريخها العريق،بعد أن بدأت مظاهر الفرجة تندثر بفعل التشوهات التي لحقت بها واكتساح بعض مظاهر التمدن التي ما لبثت تزحف وتنهش كل أشكال العفوية والتلقائية.رغم الاعتراف الذي حصلت عليه من طرف اليونسكو ودخولها سجل التراث الشفاهي للإنسانية فإن ما كان الزائر يتمتع به من مظاهر الفرجة التي تنفرد بها الساحة قد يختفي غدا،عدد بسيط من الحكواتيين الذين يحفظون تراثا شفهيا غنيا منهم من يصارع المرض بين أنياب الفقر في حين يعيش بعضهم على التسول أما الجيل الجديد والذي لا يتجاوز ثلاثة قصاصين أو أقل فعلى الرغم من تدني مستوى الفرجة فهو لا يزال صامدا وسط الساحة يقاوم شللا حقيقيا يزحف رويدا رويدا ويأمل أن تلتفت الجهات المسؤولة من أجل إنقاذ ما تبقى من شذرات تعد حقيقة ثروة غنية لا يجوز الاستهانة بها.