1 ) الشرقاوي وبنفايدة
شكلت جامع الفنا فضاء لحيوانات تشارك في الحلقة سواء الأليف منها أو المروضة ومنها:القردة، الحمام الزاجل،الثعابين والأفاعي،الحمار،الضب،الحرباء الفار الأبيض،الأرنب بالإضافة إلى العديد من الحشرات السامة كالعقارب وغيرها،وقد كان الشرقاوي وبن فايدة يتحدث عن الحيونات والطيور في حوار يبدأه الضرير بقوله: آها آها اللي عندو بنت وما عطاها ( زوجها ) ينعل باه وباها،ليتحدث عن الأرزاق
مرة نفرح، مرة نبكي مرة نغني، مرة راني فالنزايه ديما، الجاجيا جايا و الغاديا غاديا مول و العاكد الشريط مولانا هو يرخيه، الضامن الرزق مولانا هو يعفر بيه، اللي خالق ولد الحمامة فوسط البيضة هو قادر مولانا يحيي، واللي فتح ليك هداك لكاب؟ هو يرزقنا ما نحلو ليه، ماها وهواها ليسأله الشرقاوي عن أصل بعض الطيور والحيوانات ليجيب ابن فايدة دون تردد وهو يدخن الشيشا:
الدجاجة منين؟ الدجاجة بنت الحواض حربيلية
الجاوج منين؟؟ الجاوج فيه الصداع بزاف مسيوي
طبيبتة منين؟؟ طبيبتة فقيرة مراكشية
الجمل منين؟؟ الجمل صبار كيرفد الحمل ويزيد العلوية دكالي
البغل منين؟؟ البغل مكلخ قنيطري
الحمامة منين؟؟ الحمامة مكاوية
بوعميرة منين؟؟ بوعميرة سرغيني
طيبيبت ( طائر يوجد بكثرة في مراكش ) منين ؟؟ طيبيبت دمناتية
بلارج منين؟؟بلارج حسناوي
ولد أم قنين( الحسون ) منين؟؟ ولد أم قنين فيه الحيالة مراكشي.
هو محمد بن محمد الشرقاوي من مواليد 1927 دخل الساحة وعمره لا يتجاوز ثماني سنوات احترف الكلام وتعلق بالحمام، ينساب الكلام من فمه حكما وأمثالا، لا ينطق إلا ليلقن الدروس التي استقاها من كلام المجذوب،ومن تجربة غنية في الحياة تعرف على صديقه الضرير بنفايدة الذي سيلازمه في كل العروض التي قدماها سويا بساحة جامع الفنا واتخذ من الركيلة ( الشيشية ) رفيقته الدائمة رغم الأنفاس المنقبضة في صدره من أثر الربو.بعد وفاة صديقه بن فايدة غاب الشرقاوي عن الساحة لمدة طويلة قبل أن يعود وقد غزا الشيب رأسه رفقة طفل صغير يمسك حمامة فيما يفترش الشيخ الشرقاوي ” مول الحمام ” رقعة صغيرة عكس ما كانت تحتله حلقته بمعية بنفايدة،في ركن منزوي بساحة جامع الفنا يعرض الشرقاوي بعض الكتب القديمة للبيع،وأشياء أخرى عديمة الجدوى تدهورت حالته الصحية فأصبح يلازم بيته إلا أن غادرنا في صمت بأحد أحياء المدينة العتيقة.
شكل الشرقاوي وبنفايدة ثنائيا استثنائيا على امتداد ربع قرن من الزمن كانت الحلقة التي يعقدانها من أكبر حلقات ساحة جامع الفنا تؤثثها ديكورات وحمامات تجوب الساحة دون أن تغادرها قبل أن تحط على يد الشرقاوي الذي تعلق بالحمام لمدة تزيد عن أربعين سنة،كان الشرقاوي هداويا مجذوبا يحفظ الأذكار ويهيم في ذكر اسم الله بعد ذلك التقى بصديقه بنفايدة الذي سوف يلازمه طول حياته لم يفترقا يوما حتى أن كل من نظر إليهما ظنهما شقيقين،جمعهما حب الحلقة والركيلة ووحدهما صراع الحياة من أجل لقمة العيش فالتصقا بالساحة يغزلان من مرارة الحياة مشاهد الفرجة ويستلان البسمة من شفاه لا تعرف الفرح من ثقل العيش.
كان الشرقاووي يهيئ لصديقه بنفايدة الركيلة ويقول له ” اركّل ” ليسحب هذا الأخير نفسا عميقا ثم يسترسل في إمطاره بسيل من الأسئلة عن مواطن الطيور والحيوانات في حوار جد سريع، يجيب خلاله بنفايدة بتلقائية دون أن يغير موطن أي منها.
لم يكن أحد يعرف إن كانت هذه الطيور تنسب لمواطنها الأصلية أنم أن الأمر مجرد هذيان عذب ينساب على لسان بنفايدة كلما سحب نفسا سخريا من النرجيلة التي يقول عنها الشرقاوي إنها هداوية،وحدهما كانا يعرفان سر هذه التصنيفات التي أبهررت وأمتعت جمهورهما عقودا من الزمن،ولم يكن ينقصهما إلا ذكر تواريخ ميلادها على حد قول أحد المراكشيين.
يعتبر الشرقاوي من أغرب الشخصيات التي عرفتها الساحة فقد جمع بين حدة الذكاء وقوة الموهبة،أحب هذاوة ( المجاذيب ) وهام في الساحة مرتديا ” دربالة “يحدث الناس عن الحياة والموت،عن الإنسان والنساء، بالطبل كان ينشد، أخلص للساحة،فأحبه الناس،بل إن بعضهم يعتبره معلما في الحياة و لا يزال الكثيرون يرددون ما كان يحفظه عن سيدي عبد الرحمان المجذوب:
كيد النسا كيدين،ومن كيدهم جيت هارب
يتحزموا باللفاع ويتخللوا بالعقارب
بهت النسا بهتين ومن بهتهم ياكدوني
راكبة على ظهر السبع وتقول الحدا ياكلوني
سوق النسا سوق مطيار يا الداخل رد بالك
يوريوك من الربح قنطار ويديوا ليك رأس مالك
أنا ماني شواف أنا ماني كهان
أنا ماني فقيه أنا ماني عالم
أنا مجذوب وكنكول لكلام
واللي ما نجيلو فكلامو إلى يسترني ما نسمح ليه
ارتبطت حياة الشرقاوي بالساحة التي هجرها مكرها بعد أن أقعده المرض في حجرة صغيرة يمكث طوال اليوم رفقة زوجته وابنته بالتبني ظل يحتفظ ب ” الدرابالة ” والطبل أما الركيلة فعزاؤه في زمن ولى وترك ذاكرة حافلة تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ ساحة جامع الفنا.