حالة شبيهة بالجنون تملكت اصحاب القرار بالجزائر . هذا اقل ما يمكن قوله بشان حديث غير مسبوق في الخطاب السياسي الجزائري عن الحدود الامنية الجزائرية التي تتجاوز الحدود الجغرافية.
الدستور الجديد للجزائر، الذي نال اصوات 16% من اصوات الناخبين في الاستفتاء المنظم مؤخرا، كان مؤشرا على بداية الحماقات باجازته تدخل الجيش الجزائري خارج تراب البلد، لكن الحديث عن الحدود الامنية المتجاوزة للحدود الجغرافية اكبر الحماقات، اذ يعني مثلا ان تونس وموريتانيا ومالي والمغرب والنيجر وليبيا حدودا امنية للجزائر يحق لجيشها تجاوز سيادتها والتدخل فيها لحماية الامن الوطني الجزائري.
من اين لحكام الجزائر بهذه العجرفة الامبريالية التي تورط في حسابات جيوسياسية واستراتيجية خاطئة تماما. فالولايات المتحدة هي الوحيدة التي تعتبر حدودها الامنية متجاوزة لحدودها الجغرافية وتعتبر قوانينها قابلة للتطبيق خارج حدودها، وهذا ما دعا الرئيس الصيني الى مراجعته في قمة البريكس في الايام الاخيرة بالحاح شديد.
حكام الجزائر، فيما يبدو، في حاجة الى توزيع الاوهام داخليا بمثل هذا الكلام الفارغ وبالحديث عن اقوى جيش في المنطقة والعدو الكلاسيكي وغير ذلك، لانه لم يعد لهم مايوزعونه على الشعب الجزائري وما يشترون به الولاءات داخليا والمواقف خارجيا، بعدما تفاقمت الازمة الاقتصادية بسبب انهيار صادرات المحروقات وعائداتها وتاكل ماتبقى من احتياطي العملة الصعبة الموروث عن السنوات الماضية وبدات الاختناقات تظهر تباعا ويظهر معها الفشل المتراكم والمتفاقم في الخروج من التبعية للبترول والغاز، اللذان يمثلان 97% من عائدات الصادرات وحوالي 60% من موارد ميزانية الدولة.
هذه الاوهام سرعان ما ستتبدد، في حال انطلائها على البعض، لتظهر الحقيقة االمرة ويظهر ان استظهار العجرفة والثقة في مخزونات الاسلحة المتراكمة، والمنتمية في معظمها لزمن تكنولوجي غابر، مجرد تغطية على الاحساس بالضعف والشعور بغموض الافاق بالنسبة لنظام مريض خرج الشعب الجزائري الشقيق للمطالبة برحيلة على مدى شهور، الى ان جاءت كورونا لتوقف حراكه، وبدات علامات التمزق داخله تظهر للعين المجردة.
ما يجب ان يعيه حكام الجزائر الحاليين، الذين يتبين ان الفطنة السياسية تنقصهم مقارنة بمن سبقوهم، هو ان الجزائر،ذات الحدود مع عدد كبير من البلدان التي تواجه مشاكل استقرار واخطار الارهاب ذي الاصل الجزائري غالبا، يجب ان تنشغل بحدودها الجغرافية ووضعها الداخلي بلا عنتريات كلامية مستفزة لكل الجيران، وان تعي ان حدودها مع المغرب كانت دائما حدودا امنة ،رغم تسخيرها لعصابات البوليساريو ومن يتبعونها لاستفزازه، وان المغرب ظل محافظا على ايجابيته في علاقته مع الجزائر في كل الظروف لتجنيب البلدين والشعبين الشقيقين مامن شانه ان يلحق ضررا بليغا باوضاعهما وبتطلعهما الى بناء مستقبل مشترك، مستقبل مغاربي، ومامن شانه ان يجنب باقي المنطقة مخاطر كبيرة.
للاوهام حدود، وللحماقات حدود، ومن مسؤولية العقلاء في الشقيقة الجزائر ان يتصرفوا كي يوجهوا البوصلة في الاتجاه الصحيح، اتجاه مواجهة المشاكل الداخلية العويصة بامكانيات اقل بكثير من الامكانيات التي توفرت خلال الخمسة عشرة سنة الاخيرة وتم تبديدها.
محمد نجيب كومينة / الرباط