آخر الأخبار

حول سؤال الماركسية ـ 1 ـ

قبل الماركسية اليوم، ثمة سؤال آخر، لماذا هذا الموضوع في الأصل؟ ! جوابي على هذا السؤال الأخير: لأنه لا يمكن فهم الحاضر العالمي، ومنه حاضرنا الخاص، ما لم نقم بالتقييم اللازم للماركسية. فالماركسية سواء على المستوى المعرفي، أو على مستوى الممارسة الإنسانية من أجل التقدم، شكلت لما يربو عن قرن ونصف، ما يمكن توصيفه بأنها كانت “روح العصر”. والحاضر، كيفما كانت رؤيتُنا عنه، وعن موقع الماركسية فيه، لا يمكنه إلا أن يكون، بشكل أو بآخر، تطورا موضوعيا لهذه “الروح “. أكان ذلك على المستوى المعرفي أو على مستوى الممارسة الإنسانية من اجل التقدم.
ولذلك، يكون الحاضر، بالضرورة، بدون فهم الماركسية، فهما قاصرا، ومشوِّها للصيرورة التاريخية. وليس صدفة في هذا الصدد، ما نلاحظه من استناف مجدد لقراءة “الرأسمال” والماركسية عموما في البلدان الرأسمالية على إثر الأزمة التي أصابتها في 2008 وما بعدها…
وما يضاعف الحاجة إلى طرح هذا الموضوع في واقعنا الحاضر، أن الماركسية عندنا، لم تعمر غلبتها الثقافية وقتا طويلا، ولم تأخذ جميع أبعادها النظرية الكاملة، ولم تجد بالأساس موروثا ثقافيا فلسفيا تُبنى عليه، كما كان الشأن في البلدان الغربية. ولهذا كانت في عمرها القصير ذات نزعة اقتصادية في الأغلب، وعلى أرضية دينية سلفية إصلاحية في أفضل الأحوال. ومن ثمَّ يمكن فهم هذا الاكتساح الجاري، لاستئصالها، من قبل ليبراليات براغماتية نيوليبرالية تحت عناوين: الحداثة والإسلاموية السائدتين اليوم.
ولست بحاجة إلى القول، أن موضوعا بهذا الحجم، السعيُ فيه إلى تشكيل وعي بجدلية الصيرورة التاريخية في كليتها، وبأبعادها جميعا المعرفية والممارساتية (إن صح التنسيب) هو موضوع أكبر من قدراتي، ولربما لا يزال أكبر من جميع القدرات الفردية، لأنه في النهاية سيكون حصيلة جماعية لما ستفرزه تناقضات المرحلة التاريخية التي ولجناها. ولذلك ليس بوسعي سوى أن أرمي حجرا، أو حصاةً، في مياهها الراكدة عندنا خصوصا. وكما أسلفت في مقالتي في مجلة النهضة، (في عددها الخاص بالماركسية)، فإني اعتمد، هنا أيضا، على بعض ما علق في ذاكرتي، لا أكثر.

محمد الحبيب طالب