حين تطرح السؤال لتعبر عن حالة قلق تنتابك ، تجدد النظر نحو المستقبل لكي لا تعتقلك الوضعيات بكل تفاصيلها وهي تباعد بين المنطلقات والنهاية ، فأنت تفكر دائما في النتائج ، فتجد نفسك لاتقف لها على مؤشرات التقييم ولا على شروط البداية .
لا داعي للقلق مرة أخرى…!
فهناك من هو مستعد لتبنياها و تثمينها دون تدقيق ولا تمحيص أوافتحاص وفوق كل هذا سيقدم قبلة مستعطفة وضيعة على صفحة يد الفاسد دون أن ينتظر منه شكرا. ماعطل سفينتنا على الإقلاع سوى مجموعة من السراق الفاسدين و شلة من الإنتهازيين المتواطئين ونحن نتفرج ونؤدي ثمن الصمت ،فتطول الآمال دون أن نقف لها على حدود أو نرسم لها المسارات .
هل قدرنا أن ننتظر أجوبة فتأتي هي الأخرى بليدة يلفها غموض أكثر مما كنا نتوقع لتعيدنا لوضعية إنطلاق أشد التباس فنعاود طرح الأسئلة من جديد وهكذا دواليك سلسلة غير متناهية من الإستفهامات وحلقة مفرغة من العذاب .
القلق هو استمرارية طرح السؤال في وضعية عدم الارتياح واللاستقرار. للحد من البحث في مساره فكأنما يبحث عن الحل السهل لكي يبقى فقط مفعولا به ،متلقيا لا فاعلا ، يكتفي بسرد أفعال غيره التي لم تكن صادرة منه أصلا و هي إشارة واضحة لنهاية حياة كثيرا ماكانت تدفعني شخصيا لأنظر للمسار في درب الكتابة وأستفسر .
إلى أين أنت ذاهب، أما حان الوقت لقلمك كي يستريح ولتضعه جانبا ؟
فتجد نفسك أمام معادلة حتمية وواضحة تحسم هذا التردد الأزلي والمتقطع : أن الكتابة نبض الحياة ، والرهان والتحدي أن ترفع الإيقاع وأن تستمد بقاءك من طول نفس.
ماذا بقي بعدما عرت كورونا كل إشكالاتنا البنيوية التي تستر عليها البعض بنوع من النفي والتطاول ودلس عليها من أجل تأجيل الأزمة؟ .
ألم يفضح هذا الوباء أولوياتنا المتضاربة وأن القطاعات الإجتماعية الأساسية ركيزة كل نهضة كان البعض إلى عهد قريب يشكك فيها وينسفها نسفا وقد أدخلها للصولد والتعاقد كنوع من التسليع والتحقير دون الإلتفات إليها.؟
من كان يصم آذانه عن المطالب المشروعة و حقوق أصحاب البذلات البيضاء أساتذة وأطباء على حد سواء و التي تلطخت بدم مسفوك على أرصفة الشوارع بهراوات القمع وقد بطشت بهم يد من حديد لاتعرف رحمة ولاشفقة؟ الجائحة كالت لمخططاتكم كثير من الصفعات تلو الأخرى وهي تعيد ترتيب أولوياتكم وتصحح باللون الأحمر ترهاتكم وتقول أن نهضة الشعوب لاتقف إلا على ركيزتين : التعليم والصحة. الذين هللوا للطاقات المهاجرة والتي برزت هنا وهناك حيث سارع آعلامنا المتخلف ليحقق السبق فيها بعدما راجت أشرطتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي ،فعلا ينتابك شعور لامحدود وأنت تعتز بالإنتماء ، لكن تحاصرك أسئلة مقلقة مرة أخرى من قبيل :لماذا لايستفيد الوطن من أبنائه ؟
لماذا تهاجر الطاقات كما هي خيرات بلادي فلا ننتفع منها ؟
سؤال منهجي لايمكن أن تطرحه دون أن تقف على مسار مرحلة قابلة للتقييم من أجل الوقوف على ماتم وهل فعلا الأهداف تحققت ؟
لن تستطيع الإنطلاق نحو المستقبل دون أن تعرف ماذا وقع؟ وماهي العقلية التي تحكم التدبير من قبل ؟ وكيف ينظر المسؤولون للقطاعات ؟ وكيف انقلبنا على أحلام الثورة فأصبحت كوابيس ؟
سنطرح الأسئلة ونستمر في طرحها لأننا نعيش قلق المرحلة الذي يعبر عن عدم ارتياح بمؤشرات واضحة لاتحتاج لتوضيح. لسنا مستعدين للبحث عن مكياج من أجل تنميق واقع بئيس فنحن بكل بساطة لانجيد التزوير والتدليس. الحياة عبارة عن قلق يومي تحاول جاهدا أن تجد له حلا وجوابا ،لا أحد منا يعيش في هذه الدنيا بدون هدف ولا بوصلة ،هناك من يعتقد أن وجودنا مقتصر على الأكل والملبس فحين نطرح أسئلة تتجاوز هذا الحد يقول لك :
ماذا تريد ؟ عليك أن تحمد الله فهناك أناس لايجدون قوت يومهم ، هم جوعى يقتاتون ممافضل على الناس في المقاهي وأرصفة الشوارع في القمامات. فيدفعك هذا الجواب لخلاصتين أولاهما أن هناك متسكعون أقل منك دون ذكر هم ضحية من ؟ ثانيهما أننا أحسن بكثير من الباقي وهذا لوحده يكفي. لاستفسار آخر هل تستبد بك حرقة السؤال فلاتدع لك مجالا للتحرك مهما حاولت الإبتعاد فكل ملامحه تطاردك ولن تخل سبيلك من تحمل مسؤوليتك. قد يتبادر إلى ذهنك عدة مرات أن المسار طويل وشاق وبه مطبات ويراودك فعل التخلي. فتبادله بإصرار منقطع النظير ، لأنك لاترضى عن الكرامة بديلا. فهي مسألة حياة أو موت.
ذ ادريس المغلشي.