ادريس الأندلسي
فهم الكثير من المغاربة أن الثقافة الحزبية التي كانت، لم تعد كما كانت. استفزني كلام أحد مدبري حزب الأصالة و المعاصرة و هو يشير إلى امتلاء جنبات قاعة ضمت مشاركين في مؤتمر جهوي. أقصد بالتدبير تملك أدوات إدارة الحزب و ماليته على الخصوص و السيطرة على عوامل التوازن الداخلي. و هذا النوع من التدبير لا علاقة له بالسياسة في روحها و كونها مجالا للنضال من أجل التغيير لا من أجل تدبير مسارات فردية. و زاد المدبر في التفلسف البسيط عن مبدأ كبير هو ” قرينة البراءة ” لمجاملة بعض المستمعين لرسالة إلى من يهمه أمر.
وصل عبد الرحيم بوعبيد في أحد أيام حملة انتخابية ليخطب في الناس في ملعب ” بيكس” القريب جدا من حي المحيط بالرباط. وقف على المنصة و جال ببصره بينما سكتت جماهير قدر تعدادها بأكثر من 100 ألف. نطق الراحل عبد الرحيم بكثير من المعاني المليئة بتهكم راق و قال ” اللي ما عندو عين يشوف بعشرة او مئة أو ألف” . كلمة اربكت عيون من بعثتهم أجهزة وزارة الداخلية آنذاك. و كان القرار أن هلموا إلى التزوير و الإستمرار في خلق أحزاب الإدارة و ترقية منتسبيها الجدد إجتماعيا و اداريا و ماليا . و رغم ذلك أستمر الإتحاد الاشتراكي، آنذاك، في التغلب على كل الأحزاب المصطنعة بحضور قوي و فعل في المجتمع. و لكن صمود رفاق عبد الرحيم لم يدم طويلا.
أن تملأ قاعة اجتماعات بمئات ممن ينتظرون غدا فرديا تتحقق فيه بعض المكاسب و شيء من الحماية، فهذا يبين أن ثقافة التحزب قد عرفت، في بلادنا تغول بعض المدبرين للشأن العام و ترسخ سلوكات انتهازية ترفع شعار ” راسي يا راسي”. قبل أقل من ثلاث سنوات كان حزب العدالة و التنمية يملأ أكبر القاعات الرياضية بمناضلاته و مناضليه، ولكن اللعبة الانتخابية غير المنصفة، و الحملات الاعلامية ، بالوسائل الحديثة استغلت ضعف الثقافة السياسية للحزب الاغلبي للانقلاب عليه بعد أن كان أصحابها أكبر مكون في الأغلبية و دبروا أهم القطاعات الحكومية.
و كثرت الأحاديث عن قرينة البراءة في الخطاب الحزبي. و لعل السبب الحقيقي في الموضوع له علاقة بتشابك المصالح و الأسرار بين يوجد قيد المساءلة القانونية و من لم يظهر بعد في الصورة لسبب من الأسباب ” التقنية”. حدث في زمن مضى، و اعقبت هذا الزمن مرحلة إنصاف و مصالحة ، أن اعتقل عدد كبير من مناضلي أحزاب في خضم تجاذبات حول قضايا خلافية حول العلاقات بين المؤسسات و السلطات و الاختيارات الإقتصادية. لم يتكلم أحد عن قرينة البراءة، ارتكز الخطاب السياسي على مبادىء حرية التعبير و الإختيار و حقوق الإنسان عموما.
أصبح الخطاب ،الذي يحاول أن يضفي على نفسه صفة السياسي، أكثر جرأة على المؤسسات. لا يكلف المدافع عن ” قرينة البراءة ” نفسه عن طرح أسئلة تتعلق بالاغتناء غير المشروع أو بتزايد ثروات مسؤولين لم يعرف أنهم نجحوا علميا أو تجاريا أو فلاحيا. راكموا ثروات بعد أن راكموا عدة اجتماعات و مشاركات في انتخابات و حصلوا على مناصب في زمن قياسي. يجب أن يتساءل المسؤول السياسي الذي يحب الخير لبلاده عن حالة من هم رفاقه في اللعبة السياسية. و يمكن آنذاك، و بعد اقتناع منزه عن الكذب و ” أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما”. يجب إحترام اؤلئك القضاة الذين اصدروا أحكام ابتدائية و استئنافية و التفاعل معها بمسؤولية سياسية و تقديس مقولة ” العدل أساس الملك”. سياسيون لا زالوا طلقاء بعد سنوات من ادانتهم و آخرون يقبعون في السجون في إنتظار الأحكام الأولى قبل أن تصبح نهائية. تبخيس العمل السياسي هو التغاضي عن السلوكات التي لا تخدم تقوية الثقة في مؤسساتنا. إن التبخيس الحقيقي للسياسة هو عدم مساءلة المسؤول الحزبي، داخل حزبه أولا ، قبل أن تتولاه مؤسسة القضاء . تعيش الكثير من أحزابنا تخمة الخطاب حول لجان الاخلاقيات و سغب كبير في مجال التجرؤ على محاسبة الأخ و الزميل و الرفيق. و يظل واقع ممارسة السياسة في بلدنا غير مطمئن بالنسبة لمستقبلنا جميعا.
غدا، أيها المدبر الحزبي لمجال لا يمكن اعتباره مقاولة، سيطلب وعيا عميقا و كثيرا من التنكر للتحالفات التي لا تخدم الوطن. المواطن و المواطنة وصلت إلى نتيجة واحدة تتمثل في الاستغاثة بملك البلاد في كل المجالات. و لنا في ورش التغطية الإجتماعية خير مثال على أن زعماء هذا الزمن الحزبي لا يتحركون إلا إذا شعروا بقوة الخطاب الملكي و ما يمكن أن يليه من مساءلة و محاسبة. حين نتكلم عن سوء التدبير، فالمصدر لهذه الحالة هو ذلك الانفصام الذي يطبع علاقة ” المدبر الحزبي” بمشاكل المواطن. و كل من ظن أنه أصبح أغلبية ” بفعل فاعل ” ،عليه أن يستعد لمرحلة المحاسبة و تقييم سوء النتائج. شيء من التواضع يا أصحاب الخطاب الأغلبي الذي لا أثر له على التنمية و التشغيل و التعليم و الصحة و تخليق الحياة العامة. المؤشرات التنموية محبطة يا من تتغنون ببطولات وهمية.و إن غدا لناظره لقريب ، و نتمنى أن تصل بلادنا إلى مراتب أعلى في شفافية تدبير الشأن العام.