إدريس الأندلسي
يحصل وصول لحظة الفرج و الحل لمشكل متنوع العقد و المواقف الصعبة في المسرح فقط. الحل يأتي من الأعلى بواسطة قوى خفية غير ظاهرة ممتنعة على فهم الإنسان المتفرج رغم ذكائه و علمه المسبق بوجود حل نهائي ممكن في نهاية المسرحية. صاحب الحل يختفي قبل أن نتأكد من وجوده و نهيم في مقامات النسيان إلى أن يظهر صاحب قدرات، يقال، أنها ستكون خارقة. و هكذا يمضي بنا الحال و يتجدد الأمل في غد أفضل. المشكل في السياسة أن الأمر يتعلق بمعيش يومي و بتوازن مؤسسات.
بعد عقود من وجود رجال و نساء آمنوا بالفعل السياسي في زمن الصعوبة و الضباب و الكفاف و العفاف، تم خلق سوق السياسة. العملة المستعملة فيه صباغة كل من سمي بتقنوقراطي بلون من ألوان قوس قزح من قبل أن يصبح عنوانا لفصيل ممن لهم اختيارات خاصة. المصبوغ يأتي و يتكلم بجرأة الخبير و يكثر الوعود و قد يتعرض للغضب و قد يختفي ليعيش في رغد إلى أن تحمله أمواج أخرى إلى شواطئ غزيرة الخيرات و المنافع. و لن يحاسبه أحد في حزب قد يكون قد نسي إسمه و لم يعرف و لو سطرا من تاريخه. سوق السياسة أصبح متاحا لمن يكره السياسة و يحب مردردها عليه و على أسرته. أتذكر جيدا ما قاله الأستاذ الخليفة القيادي السابق في حزب الاستقلال عن بعض من تم استوزارهم و هم لا يعرفون لا موقع مقر الحزب و لا شيئا عن محتوى ” النقد الذاتي ” لعلال الفاسي. و الأمر نفسه يمكن أن يشمل حزب عبد الرحيم بوعبيد و علي يعتة و أحمد عصمان. و لا أجد غيرهم جدير بالمحاسبة. أما من تبناهم المرحوم الخطيب فقد ابانوا عن ضعف بين في فهم السياسة. و لنا في الخروج اليومي للزعيم دليلا على أن الأمس ينتمي إلى ما مضى.
قبل سنوات تهاطلت علينا البرامج القطاعية في كل المجالات. وعود كانت جميلة و كان من المفروض أن ترفع الناتج الداخلي الإجمالي لبلادنا إلى أكثر من 200 مليار دولار. و لكن الوعود لم تجد الإرادة و ووسائل المتابعة و التقييم و المحاسبة لكي تأتي أكلها. برنامج أخضر و أزرق و رقمي و آخر مخصص في محاربة الرشوة و عدة برامج للرفع من العرض الصحي و التعليمي ، كلها ظلت تئن تحت وطأة البطىء السلحفاتي.
لو قمنا بإحصاء التقنوقراط الذين تسللوا أو تم تعيينهم في الهيئات العليا للأحزاب قبل أو بعد جلوسهم على كرسي الوزارة لوجدنا أنهم تجاوزوا العشرات بعد المئة. بعضهم طرد من الباب و عاد من النافذة و أكثرهم غادر الحكومة و الحزب و المؤسسات العمومية و راح إلى سبيله مرتاح البال على جميع أحواله و خصوصا الأحوال المادية. و اليوم ماذا تركوا لنا بعد وعود . نسب النمو لا زالت ضعيفة و خصوصا خلال العشرية الأخيرة التي شاركت فيها كل الأحزاب التي غادرت الأغلبية و تلك التي لا زالت تقود الحكومة و تلك التي التحقت بالكراسي بعد أن عبدت لها الطريق رغم المآسي.
الناتج الداخلي الإجمالي لم يراوح مكانه و لا زال ضعيفا و في حدود 133 مليار دولار رغم استثمار عمومي تجاوز 2000 مليار درهم خلال العشرين سنة الماضية. ميزان تجاري بعجز كبير لم تؤثر فيه صادرات الفوسفاط التي تجاوزت 115 مليار درهم و صادرات السيارات التي تجاوزت 111 مليار درهم و صادرات الفلاحة و الصناعات الغذائية التي وصلت أرقامها إلى ما يزيد على 81 مليار درهم. ووصلت صادراتنا المكلفة إلى مبلغ لم يتجاوز 427 مليار درهم مقابل واردات تجاوزت 737 مليار درهم. العجز كبير و لا يمكن تبرير مستواه بزيادة أسعار الطاقة و القمح فقط. المشكل أعمق و يتطلب الكثير من الجهد لإصلاح بنيات و سياسات أصبحت غير قادرة على خلق الثروة.
ما معنى أن يصل استيرادنا للمواد الغذائية إلى مبلغ تجاوز 86،7 مليار درهم عند نهاية سنة 2022. و ما هي القراءة الممكنة لأرقام سجلت في مجال استيراد المنتوجات النهائية أي تلك التي لا تدخل ضمن ” مدخلات الإنتاج “. و ما معنى أن يصل استيرادنا لنصف منتجات تدخل في صناعة السيارات و أجزاء الطائرات و مواد أخرى و نؤكد أن معدل الادماج في صناعة السيارات يصل إلى 65%.
الأكثر من هذا أننا لا نهتم بركائز توازن الوضع الإجتماعي المرتبط بأسعار المواد الغذائية. نصدر الماء و التربة و جهد الفلاح لكي نصدر مئات الآلاف من الاطنان من خضر و فواكه دون أثر على وضعية الفلاح و ذات ثقل كبير على القوة الشرائية لملايين المواطنين. سجلت جريدة البايس الإسبانية أن سياستنا الفلاحية زادت من قدرة الاستهلاك للمواطن الأوروبي دون أن يكون لها أثر على مستوى عيش المنتج العامل في القطاع الفلاحي المغربي. نصدر خضرنا و فواكهنا بأسعار أقل من تلك التي تحرق جيب المواطن. و لحد الآن لا زلنا نسمع خطابا كاذبا عن المغرب الأخضر و الجيل الأخضر و الأزرق و البنفسجي. و لم يتم أي تقييم لفهم ما جرى بعد أن خصصت ملايير من المال العام و تعامل مليء بالكرم الحاتمي الضريبي مع الاستهلاكيات الكبرى لتغيير مسار قطاعنا الزراعي.
أين هي آلاف مناصب شغل الموعودة؟ أين هي مستويات معدل التنمية الكبرى؟ أين هي معدلات الإدماج الصناعي؟ أين هي نتائج اتفاقيات التبادل الحر التي تؤطر أكثر من 80% من مبادلاتنا التجارية مع الخارج. عرى تقرير النموذج التنموي الجديد على ضعف السياسات العمومية و بين ضعف العمل في مجال تفعيل آثار الإستثمار و تردي العديد من القطاعات في مجالات التعليم و التكوين و الحكامة و العدل. وضع المغرب ميثاقا جديدا كريما للإستثمار تم تحضيره من طرف تقنوقراط . نتمنى أن نجد حلا لكي لا ننسى غدا أن نحاسب واضعو السياسات العمومية على وعودهم و على تصرفهم في المال العام من أجل الوصول إلى النتائج التي أكدوا على إمكانية الوصول إليها بثقة العارفين. و المحاسبة يجب أن تمتد إلى الأحزاب التي قبلت أن تصبغهم بألوانها البراقة. و يظل الإختيار أن نعيش بدون أحزاب قائما مع ما يحمله من اخطار على كافة المؤسسات. و لكل ما سبق لا يجب أن نقبل بمحاربة ممارسة السياسة بل بحمايتها من خلال محاربة القضاء و الأمن للريع و الفساد المغرب أهم من مليون داخل إلى التدبير العمومي بإسم قيم تعادي الوطن.