آخر الأخبار

خروف إسبانيا ينطح جيوبنا بمالنا عام

إدريس الأندلسي

كثير الحديث عن خروف حير الكثير من المختصين. قيل أنه رخيص و لو كان أقرنا، و أنه أرخص، إذا لم تكن له قرون. ( وهذا الأخير لا يقبل في عيد أضحى) و قيل أن المواطن المغربي لن يضحي بمدخراته كلها للاحتفال بشعيرة ذات ثقل إجتماعي و ثقافي و ديني. و لكن تحريك آلية دعم الاستيراد تهاوت أمام منظومة قوية تغذي المستفيدين من الريع.
مر عيد الأضحى في ظروف يعرفها كل من أصر على الذهاب للسوق. تأكد بالملموس، و باعتراف الحكومة، أن أموال الشعب لم يصل تأثيرها للتخفيف من ضغط السوق على الشعب. تم صرف الأموال الطائلة للمستوردين، و هم قلة من علية القوم ، و كان ما كان من استمرار إرتفاع الأسعار. و تمكن البعض من شراء خروف ، و تضاعف جهد البحث عن تمويل لدى الكثيرين ممن يفضلون مخالفة ” دفع الضرر قبل جلب المنفعة” كمبدأ يحكم العقل في التعامل مع ” السنن و العادات ” بتقديس غير لازم و لا ملزم.
مر عيد الأضحى و واجه رب الأسرة، المصر على ذبح الخروف، كل تبعات الاستدانة و التضحية بما توفر من إدخار. و اشتكى الكل من استمرار التضخم، قبل و بعد العيد ، ليطال كل المواد التي تثقل كاهل الأسرة يوميا و تجبرها على تحمل آثار التدحرج إلى ميدان الهشاشة و الفقر. قالت الحكومة أن العسل يجب أن يملأ السوق و لو تطلب الأمر الإعفاء الضريبي أو تخفيض رسوم الجمارك إلى أدنى المستويات. و سكتت حكومة السيد اخنوش عن أسعار البنزين و الغاز و الاؤكسيجين و تأثيراتها على جيوب المواطنين، أو ما يسمى بقدرتهم الشرائية. و كان من الأجدر أن نسميها ” بالقدرة الضعيفة الشرائية “. و يطال أمر هذا الضعف إلى الأدوية و العقار و الولوج إلى العلاجات و التعليم و الصحة. و تم تصدير الخضر و الفواكه بأسعار مفيدة للمستهلك الأجنبي رغم ضغط الجفاف و نقص الموارد الماءية و انهاك خصوبة تربة بلادنا. و أستمر إرتفاع الأسعار و تناقصت كمية مكونات القفة الغذائية بفعل الغلاء. و يظل المستفيدون في صف الذين لا يطيقون تناقص ثرواتهم أو حتى زيادتها بنسبة لا تفوق معدل التضخم. و هذا حقهم ما داموا أصحاب قرار و تأثير و علم ببواطن الأمور.
و كثر الكلام، بعد إعتراف الحكومة بغياب أي تأثير للتمويل عبر الميزانية على ثقل الاحتفال بعيد الأضحى. و واصلت هذه الحكومة خطابها المتفائل حول أسعار اللحوم الحمراء. و أكدت أن دعم المستوردين لهذه المادة البروتينية سيحدث تأثيرا مباشرا على أسعار الاستيراد لحم الخروف و العجول. و وصل الخروف الإسباني و غيره من الخرفان إلى الأسواق. و لكنه رفض أن يباع بسعر يقل عن السعر الذي ساد الأسواق قبل وصوله. و للتأكد من هذا الرفض يجب الذهاب إلى الأسواق الكبرى و الصغرى و القروية و التي توجد على هامش المدن. يصل كيلوغرام لحم الخروف إلى 170 درهم في تلك الأسواق الكبرى في الأحياء الكبيرة. و لا ينزل عن 140 درهم في الهوامش الحضرية. لا يكفي أن تتم تعبئة المال العام لدعم الاستيراد، و لكن يجب أن تكون للدولة قدرة على المراقبة و الفعل في السوق. و يظل المستفيدون خارج التغطية و سيظلون مستفيدين من كل شيء ما دامت أعين الرقيب و المحلل و المفتحص تتباهى بخطاب عن حكامة لم تراها المخيلات إلا في مدينة فاضلة تصورها أفلاطون . أرادت الحكومة تخفيف عبئ صندوق المقاصة، فصنعت صناديق لدعم الاستيراد و ما يقال عنه أنه ” دعم للاستثمار. يجب دعم كل الشركات و المستوردين و المستثمرين في إطار قدرة الحكومة على محاسبتهم و تقديم الحساب و النتائج بالتفصيل غير الممل. و في إنتظار تحقق هذا الحلم يؤكد الخروف الإسباني أنه سينطح جيوب المغربة لأنهم لا يقدرون رغبة المستوردين في تحقيق الربح الكثير من وراء المال العام الوفير. و يقر كافة ممتهني حرفة ” الجزارة” على أن سعر الكيلو من لحم الغنم و البقر لا يجب أن يتجاوز 90 درهما في أقصى الحالات. اقتصاد الريع يحول دون مكافئة الفلاح و مربي الماشية و العامل في الحقول، و يتيح كل الأرباح للسماسرة و المسيطرين على شبكات الوساطة بين المنتج و المستهلك. سنردد نفس الكلام المباح ما دام المال العام مباح. و الله المستعان، و هذا دعاء علماني لأنه يعرف أن قوة الدولة توجد في التحكم في السوق.