دروس التأهيل الحضري ومسؤولية حماية وطن من السقوط في زمن كورونا
عبدالواحد الطالبي / مراكش
ليست مثل ظروف حالة الطوارئ الصحية المفروضة ببلادنا، ظروف أكثر مؤاتاة للسلطات العمومية لاستعادة الطابع الحضري للمدن المغربية التي اكتسحتها معالم البداوة تحت طائلة الهشاشة الاجتماعية ومغانم الريع للمنتخبين وبعض مسؤولي السلطة المحلية ومُنتفِعين آخرين.
والحجْر الصحّي مناسبة تعزز بها القوات العمومية تدخلاتها المحمودة من أجل تحرير الملك العمومي وتطهير بؤر الجريمة وفرض الانضباط للقانون والتعليمات الإدارية وفق مقتضى المصلحة العامة …وَجَبَ استغلالُها من قِبَل كل الفاعلين المعنيين بالنسيج الحضري للتدخل الحاسم السريع كلٌّ في اطار اختصاصه لإحداث القطيعة مع حواضر ما قبل عهد كورونا.
فالأسواق العشوائية ومضارب الخيام على نواصي الشوارع والمطاعم المتنقلة على العربات غير المرخصة في كل ركن وزاوية وأدخنة الفحم المشحَّم بقَطْر السمك والنقانق المشوية التي تُدثِّر فضاء كل حي راقٍ أو شعبي لا ميْز، والأسمالُ البالية والأثوابُ الجديدة كالفزّاعات في الحقول تؤثث القوارع وبين كل ذلك أعمال مشبوهة وتجارة مهربة تسلب المدن المغربية الطابع الحضري وتنزع من على وجهها الجميل وشْمَ الهوية بأصالة التاريخ وحضارة الشعب.
شوارع المدن المغربية حتى في مناطق الظل والمناطق المعتمة توزعت إقطاعيات بين ذوي ستراتٍ ألوانُها شروخٌ على الوجه وعلى أشخاص لهم سحناتُ كائناتٍ غريبة تشبه أشباح الكوابيس عندما تباغث المواطنين داخل سياراتهم او هم يتهيأون لركوب دراجاتهم يستحيل وقوفُ مَلَكِ الْموت عليهم أهونَ من وقوف هذه الكائنات التي تسلب الأمن والأَمَنَةَ قبل أن تسلب المرْءَ بعضَ النقد مما يَمْلكُ أو الكرامةَ مما تبقَّى.
وما المستفيد من هذه الندوب وهي أثرُ الوشْم المنزوعِ، غيرُ فئات الرّيع اللّاهِتين على الفيْئ من منتخَبين وبعضِ أعوانِ السلطة ومسؤوليهم الذين يقتاتون على الهشاشة ويتاجرون بالفقر يُطفئون نور الأمل متى ما أوقدت الدولةُ نارَه بالمبادرات المخلصة الجادة في إطار مشاريع للتنمية البشرية ما تزال بعيدة جدا عن تحقيق مراميها كأَنّ مبادرتها تلاحق السراب.
قد يكون وباءُ كورونا وجائحته التي عمّت بلادَنا نقمةً في طيّها نعمةٌ وكذلك هيَ، حين تم اكتشافُ قُدْرة الدولة المغربية عندما تتوفر الإرادة على تهيئة كل السبل لتحقيق الأهداف بنجاح، وهَهُوَ المغرب يخطو بعزيمة نحو تثبيت الإدارة الإلكترونية ورقمنة تعليمه؛ وههو يتخطى معيقات ضبط الخريطة الاجتماعية للهشاشة بتوزيع الدعم المالي على المتضررين من فرض الطوارئ الصحية؛ وههو المغرب يصالح الشعب مع السلطة والأمن ويعقد ميثاق التضامن؛ وهذا المغرب ينهض بإمكاناته الذاتية وسواعد أبنائه ويستشرف مستقبل التصنيع والتصدير ويصل حاضره بماضيه المجيد قبل آلاف السنين؛ وههو المغرب الممكن ينبثق من المستحيل.
لكن، وفي زخم هذا التفاؤل تتشعب جيوب المقاومة التي تثبط العزائم برشوةِ قَدْرَ قِطمير لدراهم معدودات يمدُّ عونُ السلطة اليها يدَهُ ليُشِيع الفاحشة في ساحة وميدان، وبجشعٍ مذْمومٍ لمسؤول يطمع حد الشرَه في مال حرام يغضُّ به طرْف الرقيب عن بناءٍ غيرِ مرخص أو تجارة مشبوهة، وبسلوكٍ مقيتٍ لمنتخَب يبيع ويشتري في ذِمم الخلْق عملتُه الكذب والزور والبهتان رصيدُه المالَ العام وتجارتُه الفوضى والغوغاء هو كالضفدع يحيا في الوحل.
مِنّا ومن هؤلاء ونحن كثيرون، لا تهمنا غيرُ مصالحنا الشخصية وتنميةِ ثرواتنا والارتقاءِ في المناصب وتولي المسؤوليات وتحسينِ الوضع الاعتباري بلا مؤهلات ودون كفاءات والاغتناءِ غير المشروع وإيثارِ الصمت عند الحاجة الى الكلام والصراخِ في مواضع الصمت لدى الحاجة الى الحكمة…وكلنا مَفتونٌ لا ننظر أمام أعيننا حتى نسقط.
وما أهونَ سقوط المرء مسؤولا أو غير مسؤول، وما أشقَّ وأعْنَى سقوط وطن…والأوطانُ اليوم تصارع من أجل البقاء، ولا بقاء لوطن ولا عاصم له دون المخلصين من أبنائه الذين لم تقتلهم ضربة كورونا من الظَّهر، فلا أحد كان يتوقع هذا المآل لشعوب الأرض التي اضطرتها جرثومة للاستعصام ببيوتها والأكثر تشاؤما لم يستحضرِ الَّذي أمام ناظريه واقعٌ من ركودٍ وجمودٍ وصمتٍ مريبٍ. وليس لأحد تنبؤ صريح صادق عما سيكون عليه العالم غدا وما سترثُه شعوب الكوْن عن كورونا المستجد.
وحتى لا يسقط الوطن، هي فرصةُ كورونا التي أتاحتْ بعْثَ روح الانتماء الذي تغنَّى بنشيده المواطنون في كل مكان، رفعوا الحناجر بأعلام بلدانهم وصدحوا بحب الحياة في صفاء وطُهْر ونقاءٍ يتعانقون مع الأثير بأدرُع التضامن وبقيَم كل فضيلة يرتقون شقوق الألم بأملِ غدٍ لا جروح فيه ولا دُمَل.
فعسى يتيحُ وباء كورونا للمسؤولين في بلادنا فرصة التأمل في الإرث الذي نأمل جميعا أن تكون ثروتُه مما اكتسبناه درسا في تعزيز قيم التضامن والتكافل والتآزر وحب الوطن، ودرسا للدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاسيما التنمية البشرية الى الأمام؛ درسا لتنمية القدرات الذاتية وصناعة الفرص المدرة للدخل والمنتجة للثروة، والتخلص من الاتكالية وعدم الاعتماد على الغير والتعيش من الريع؛ درسا للاستسلام أمام سيادة القانون وسيادة العدالة؛ ودرسا للصدق والاخلاص في القول والعمل؛ ودرسا لربط المسؤولية بالمحاسبة واقتران الحق بالواجب؛ ودرسا في التسامح والتعايش؛ ودرسا في كل ما يضمن للمغرب تعزيز موقعه ضمن خريطة شعوب العالم ذات الباع العريق في الحضارة والتاريخ.
ولا حضارة ولا تاريخ عندما تكون حواضرنا بلا هوية، وههي الفرصة تتاح كما أتاحت للمغاربة بعث أرواح الانتماء لديهم الى الوطن الذي يريدون، لتستعيد شوارعنا رونقها وشواطئنا جمالها وأنهارنا صفاءها وساحات المدن حريتها وطبيعتنا طهرها وأجواؤنا نقاءها والمجتمع طمأنينته وأمنه…
إن درس كورونا يضع كل مسؤول موضع المعلم الذي عليه ان يكون قدوة التعليم والتربية على الثقافة الجديدة لما بعد كورونا المستحدث ويضع كل مواطن موضع المتعلم الذي عليه أن يرتقي بنفسه انضباطا وتعلما لترتقي ثقافته ويرتقي مستواه فهل نتعلم ونستفيد من الدرس أم أن ما بعد كورونا سيدشن لمرحلة متقدمة من الاندحار نرجو الا يكون مشروع قانون 22-20 مقدمة لزمنها.