إدريس الأندلسي
استمع بكثير من الإهتمام لخطابات وفود الدول داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة. الرئيس الحالي من جزر المالديف أخذ الكلمة و قام بالدعاء لإيقاف الحرب و كذلك فعل الأمين العام لهذه المنظمة العالمية. فرحوا بحزن لبداية المفاوضات و تمنوا أن تقف اصوات الاسلحة لتترك المجال للغة الدبلوماسية. غريب ما يقع و غريبة هي السرعة التي انعقدت بها جلسة الجمعية العامة مقارنة مع وقع في العراق و ليبيا وسوريا و اليمن و ما يقع في فلسطين.
ممثل أوكرانيا بدأ كلمته بآخر رسالة بعث بها جندي اوكراني إلى أمه و هو يواجه الهجوم الروسي قبل أن تصيبه رصاصة غيبته عن عالم الأحياء. و بالطبع لا يمكن أن يقف ممثل أوكرانيا دون أن يشير إلى المآسي التي تحدث في مختلف جهات بلاده. و تحدث عن المدنيين اطفالا و نساءا و شيوخا مقارنا ما يحدث الآن ببدايات الحرب العالمية الثانية. و لم يفته إعطاء تفاصيل الأهداف العسكرية للروس التي لا تفرق، حسب رأيه، بين ما هو مدني و ما هو عسكري و الخطر الذي يحيط بالاستيلاء على محطة تشيرنوبيل النووية و كذلك بالأطفال الذين كانوا على متن حافلات مدرسية. و ككل الخطابات أمام الأمم المتحدة تتم المناداة من أجل تطبيق القانون الدولي. و لا زال هذا القانون حبرا على ورق منذ أن تكونت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. المظلوم من حقه أن يلقي الخطاب و الظالم يفرض الواقع بقوته هذا القانون الدولي. و الفيتو المضمون لبعض أعضاء مجلس الأمن خير مثال على هشاشة تطبيق هذا القانون. و قال ممثل أوكرانيا أن الرئيس السابق لفيدرالية روسيا، بوريس التسين، هو من فرض بلاده لعضوية مجلس الأمن.
و للرد على على ما سبق بأسم روسيا، قال ممثل روسيا أن كثيرا من الكذب يحيط بالكلام عن هذه الأزمة التي يعود سببها إلى عدم إحترام اتفاقية مينسك التي وقعت قبل ثلاثين سنة. و هذا خطأ ارتكبته، حسب قوله، حكومة أوكرانيا و الذي استوجب تدخل روسيا لإنقاذ سكان بعض المناطق التي تكتوي بنار الاقصاء من طرف حكومة أوكرانيا. و لهذا وجب تحييد هذا البلد و اضعافه عسكريا. الخطاب السياسي يشرعن كعادته كل الخطوات العسكرية التي تحفظ المصالح الاستراتيجية. و اليوم يضع الغرب المسؤولية على روسيا و هذا الغرب هو الذي سعى إلى أن تصل الحالة إلى ما هي عليه اليوم. و الأمر نفسه ينطبق على ممارسات الحلف الأطلسي الذي يتوسع دون مراعاة للأمن العالمي. و قال ممثل روسيا أن هذا الحلف لم يصل إلى إقناع الولايات المتحدة بضرورة مراعاة العناصر الأساسية للأمن. و لكل هذا، وجب القول أن وصول طبقة سياسية مدعومة من الغرب و ذات طابع “نازي” سرعت من تعميق الأزمة التي وصلت إلى هذا الحد من الاحتقان. ممثل روسيا اتهم الغرب بالكذب و بالتسبب في الدفع بالوضعية إلى مستواها الحالي و ما يمكن أن تصل إليه.
و ستستمر الخطابات طيلة اليوم و قد تستمر غدا من أجل إعتماد قرار للجمعية العامة يفتقر إلى قوة التفعيل و تحريك الآليات ذات الطابع الالزامي. و من يتذكر ما حدث قبل حرب العراق و حرب ليبيا يعرف أن أجهزة الأمم المتحدة لم تكن لها القوة على فرض القانون الدولي. و حدث ما حدث و من لا يمتلك القوة يظل ضحية حسابات المصالح الدولية. الأمر مخيف هذه المرة لأن منطقة الصراع هي أوروبا و لن تمر هذه المرة دون أن تخلق واقعا جديدا في القارة العجوز. خارج مجلس الأمن و الجمعية العامة للأمم المتحدة تستمر المفاوضات في حدود أوكرانيا مع بيلاروسيا لوقف إطلاق النار و ربما التوقيع على ما يجب على أن يلتزم به من لا يمتلك القوة للدفاع على حدوده. هذا الغرب صنع السلاح و صنع الأزمات و لا يعترف بالتاريخ و لا بالقانون و لكن بميزان القوى. روسيا تفرض واقعا بعد أن صبرت سنينا على تهديدات وصلت إلى حدودها و رئيس أوكرانيا يطلب عضوية سريعة في الإتحاد الأوروبي و هذا الأخير لا يرفض و لا يقبل. الأمين العام للأمم المتحدة لن يجد آذانا صاغية من طرف روسيا و هذا ما سيساهم في اضعاف دور القانون الدولي في حل الأزمة.
و القضية لا زالت في بداياتها و تزيد تشعباتها يوم بعد يوم. النظام البنكي العالمي و سوق الطاقة المعتمد على امدادات روسيا و الخليج العربي و سوق المواد الأولية كلها أسواق لن تهدأ على الأمد القصير. كل هذا في ظل خطاب سياسي و عسكري يتكلم لغة التهديد بالسلاح النووي المخيف. و الأزمة في بدايتها في ظل مناخ يزيد من سرعة تفريخ أزمات قد تسرع بداية نهاية تايوان و نظام هونغ كونغ و إعادة رسم خريطة تغيرت بفعل انهيار الإتحاد السوفياتي.