تمكن المقدم اليهودي إيهود باراك الذي تسلل إلى بيروت بلباس امرأة هيبية شقراء من مغادرة ساحل بيروت في إبريل 1973 بعد أن قتل فريق الكوماندوز الذي يقوده ثلاثة من أبرز قادة حركة فتح : كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ، ومعهم آخرون !
كان أبو جهاد غاضباً جداً لسنوات، وأراد أن يردّ باللغة الحديدية العسكرية الحاسمة: ستهاجمكم امرأة أيها الأوغاد !
طال الانتظار حتى ظن الناس أن أبا جهاد نسي وعده، ولكنه كان خلال ذلك كله يبحث عن تلك المرأة الحديدية التي ستنفذ تلك العملية الكبيرة !
وقع نظره على ممرضة صغيرة متطوعة لا تغادر الكوفية كتفيها، تمشي بثقة كأنها مقاتل مستعد للنزال !
عُينت في الهلال الأحمر الفلسطيني، ومن هذه الذريعة كانت تتسلل إلى معسكرات التدريب استعداداً ليوم لا تعرف عنه شيئاً !
كانت قوية كأي فدائي مقاتل، تحرص على التدريبات وتتفوق فيها، ولم تكترث لسخرية بعض الرفاق : فتح ما فيها ازلام !
عشرة أشهر متتابعة وهي تتدرب في البحر ضمن فريق الضفادع البشرية، وتتدرب في الجبل والسهل، ثم جاءها التكليف الكبير: هل أنت مستعدة لتنفيذ عملية في تل أبيب !
لم تفكر دلال حينها إلا أنها ستعود إلى فلسطين وستدفن في ترابها، ولم تتردد في الموافقة الملهوفة !
إنها امرأة حقيقية يا باراك وستقود فريقاً من الرجال، اسم العملية: كمال عدوان ؛ واسم المجموعة: دير ياسين ، والقائد: دلال المغربي !
مضت بهم سفينة تجارية قبيل سواحل تل أبيب، ونزلوا عنها في قوارب مطاطية، في جو عاصف مطير قلب أحد الزوراق وأغرق اثنين من الفدائيين، وضلت الزوارق طريقها ليومين، ونفد الوقود، واستعملوا المجاديف، وبلغ اليأس منتهاه حتى وصلوا إلى ساحل غريب، نزلت دلال أولاً فصرخت بالبشارة : إنها فلسطين وليس غيرها، وأرْدَت أول صهيونية برشاشها الكلاشنكوف بدون كاتم صوت !
ونصبت هناك العلم الفلسطيني، ورددت النشيد الوطني، وأقامت الدولة الفلسطينية الحرة لدقائق شامخة !
كانت الخطة أن يقتحموا فندقاً ونادياً للضباط أو يهاجموا مقر الكنيست في تل أبيب، ولكنهم لم يصلوا إلى المكان المحدد، فأوقفوا سيارات وحافلة كبيرة واتخذوا فيها رهائن، ومضوا بسرعة نحو تل أبيب، وكانت دلال تغني بابتهاج:
بلادي بلادي بلادي … لك حبي وفؤادي !
فلسطين يا أرض الجدودْ إليك لابد نعودْ
وكانت صليات النار وزخات الرصاص لا تتوقف في الطريق إلى غزوة “تل أبيب” !
كانت معركة قاسية مجنونة مع فرقة جاءت لتموت في أرضها مرفوعة الرأس، قاتلت حتى آخر طلقة بعد أن تحولت الحافلة إلى قطع وأشلاء ممزقة !
كانت دلال مصابة في رأسها، وسلمت سلاحها لرفيقها، فحملها إلى ظل شجرة خضراء، واستأمن الشجرة عليها .
بعد انجلاء المعركة، أتى باراك “المرأة الشقراء” يسأل جريحاً عن قائد المجوعة: فأشار إليها بفخر: إنها دلال !
هجم عليها كالمجنون، يمزق ثيابها، ويقلب جسدها، وينتف شعرها !
لقد قتلت أكثر من ثلاثين صهيونياً، وأصابت العشرات، ورقدت حيث تحب !
إنها المرأة الفارس ذات العشرين ربيعاً التي جاء جدها الثائر مع الثوار الجزائريين المنفيين مع الأمير عبد القادر الجزائري، واستوطن فلسطين، وكانت تتذكر كلماته: إنني أحب بلادي الجزائر، وأحب “ندرومة” في ولاية تلمسان، ولكنني أحب فلسطين أيضاً، وأريد أن أموت فيها !
أتعلمون أن جسدها الطاهر ما يزال مجهول الموضع في ناحية من مقابر الأرقام المطموسة ! وأنها لم تجد حتى الآن من يسترد جثمانها ويودعه التراب الذي تحبه في القدس !