قد يتبادر الى دهن بعض الاصدقاء ان هذا العنوان مزحة او قفشة من القفشات التي عودتهم عليها ، لكنه، في الحقيقة والعمق، يعكس ما افرزه التعديل الحكومي الاخير بعد صدور عدد من المراسم التي تحدد اختصاصات الوزراء والوزارات الموقع عليها من طرف فخامة رئيس الحكومة، الذي اوحى من قبل بضحكاته وحديثه عن اعجوبة الزمن انه نجح في بلوغ هدف التعديل.
المرسوم المتعلق باختصاصات الوزير محمد بنشعبون، واسطر على اختصاصات الشخص ما دامت تعنيه اكثر مما تعني مؤسسة في بلد يتراجع فيه المؤسسي غير المشخصن lmpersonnel بشكل يثير علامات استفهام كبيرة، يجعله دولة لوحده داخل الدولة ويجعل الحكومة برئيسها ومرؤوسيه مجرد افلاك تدور حول نجمه كما تدور الكواكب حول الشمس، فالرجل يتمكن من جمع اختصاصات تركز بين يديه القرارات الاساسية التي يرتهن بها حاضر ومستقبل البلاد ويتحدد بها مصير مختلف الاجيال وبشكل غير مسبوق في تاريخ المغرب مند الاستقلال. حتى عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان نائبا لرئيس حكومة عبدالله ابراهيم ووزيرها المكلف بالاقتصاد والمالية في ظروف تطلبت مركزة قوية لاستعادة السيادة الوطنية والتصدي لمناورات الاستعمار والمعمرين وفي ظل ندرة الكفاءات، لم تكن له هذه المساحة الشاسعة ولا كانت لخلفه امحمد الدويري او للوزراء الذين جاؤوا بعدهما، ولم تكن حتى لاوفقير بعدما فوضه الملك الحسن الثاني بعد المحاولة الانقلابية الاولى الفاشلة.
وكي لا يقولن احد بان فيما ورد اعلاه مبالغة، ابدا بسرد اختصاصات بنشعبون، واتصور انها فوق طاقة اي شخص مهما عمل وامتلك عبقرية فريدة، لكي يكتشف الجميع حجمها من جهة وعدم تناغمها اذا كان الوزير مكلفا بسياسات عمومية تخدم الدولة والمجتمع وليس بعمليات تفكيك وتخلي تحجم الدولة من جهة ثانية
تتولى الوزارة الضخمة Obèse التي فصلت فيما يبدو على شخص بنشعبون القطاعات والاختصاصات التالية:
– الميزانية
– الخزينة العامة
– الضرائب
– الجمارك
– الاستثمار
-القطاع العام وشبه العمومي
– الخوصصة
– تمويل الاقتصاد
– الاسعار والمنافسة والمقاصة
-الاحصاء التخطيط والتوقعات والاستراتيجية
– المحاسبة العمومية والمحاسبة الوطنية
– العلاقات والتعاون مع المنظمات المالية والاقتصادية الدولية والقارية والعربية
– الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري
– تفتيش وتقييم مختاف مرافق الدولة المركزية واللامركزية والسياسات العمومية
– حكامة
– العلاقة مع البرلمان فيما يتعلق بكل السياسات والمرافق العمومية التي يشرف عليها بنشعبون
واظن انني نسيت غير ماسبق ذكره في هذه العجالة.
لقد تم خلق ام الوزارات فعليا، اذ لاتضاهيها في شئ وزارة الداخلية، واصبحت الحكومة والحالة هذه خاضعة لمشيئة بنشعبون، بما فيها رئاستهادد.
من منظور شكلي، يظهر ان القطاعات التي اسندت للرجل متصلة او متفاعلة اصلا، ومن شان جمعها ان يطور التنسيق والالتقائية ويخفض بعض الكلف، لكن الامر يتعلق بخدعة بصرية في النهاية.
وبغض النظر عما اذا كان يتم تحضير الرجل لدور ما، بعدما احترقت سفن اخنوش مبكرا وكما يظهر من المعركة التي فتحها ضد جطو و مجلسه، فان الجمع بين عدد من الاختصاصات التي كان عزلها عن بعضها مقصودا ويستند لمنطق عمومي، يشير الى ان الدولة تريد ان تستخدم الة رجل مشبع بمنطق القطاع الخاص والعمل البنكي لهدم مالا تريد في بقائه واستمراره محتضنا من طرفها وما تعتبره معرقلا للسوق الحرة ولحرية الاسعار ولراس المال والمقاولة وماتعتبر كلفته ثقلا لم يعد ممكنا تحمله، من قبيل نفقات المقاصة وكتلة الاجور و الاستقرار الوظيفي والتقاعد وغير ذلك، فالرجل مهيا لتنفيذ خطة التفكيك التي كان بنكيران جاهزا لدفعها ثمنا للابقاء عليه في منصبه ولتوجيه السياسات العمومية توجيها نيوليبراليا متوحشا يخدم المزيد من تركيز الثروة مقابل التخلي عن كل ما يمت بصلة للدولة الراعية. ذلك ان كل شئ يوحي اليوم بعمى سياسي لامثيل له فيما سبق وتركيز غير مسبوق على الثراء والاثرياء، وليس خافيا ان الدولة ماتزال ملتصقة بعادات توزيع الريع وتنظيم نقابة الاثرياء وتتريك من يخرج عن الخط.
وقد ينجح الرجل، الذي لاعلم لي بدرجة تسيسه ولا اظن ان الاحرار يمكن ان يحاربوا اميته السياسية ان وجدت، في تمرير ما يراد تمريره بواسطته، لكن المؤكد ان سفنه ستشب فيها حرائق اكثر من تلك التي اغرقت سفن اخنوش بسرعة، وجعلت مزوار يوصف بالارعن والمتهور والامسؤول، وجعلت المنصوري يقنع بسفارة قريبة من الحج وجعلت عصمان، مؤسس الاحرار، يتعرض للطرد من حظيرة المخزن التي كان له باع طويل بها.
محمد نجيب كومينة / الرباط