ذكرى اغتيال حسين مروة : ” ماركس دخل حياتي و ما ازال في النجف “.
2_المجيء إلى الماركسية : وهكذا دخل مسار حياة مروة الفكرية مرحلة نوعية جديدة أنفتح فيها على ” الدراسات غير النظامية”, يقول: ” هذه المرحلة في حياتي هي مرحلة الخصب المعرفي ، كنت أقرأ الأدب الرومانسي مع الفكر العلمي,مع الكتابات العلمية الخالصة،مع البحت الاجتماعي نظريا وميدانيا”… وقد كانت كتابات المفكرين النهضويين , كنقولا حداد وروايات فرح أنطوان, وميول إسماعيل مظهر المادية احد المداخل الرئيسية لمروة إلى الماركسية يقول : “إسماعيل مظهر وشبلي شميل هذان هما الأصل و الأساس في تحولاتي الفكرية الأولى نوعيا و جذريا ، ولست أنسى سلامة موسى وأثره آنذاك لما كان لكتاباته من اتصال بالفكر الاشتراكي الطوباوي” إلا أن مروة, بحسه النقدي , لم ترحه صورة ماركس كما وردت في كتابات النهضويين (خاصة في رواية فرح أنطوان “الدين و العلم و المال” ) حيث مفهوم حيث مفهوم الاشتراكية ملتبس وغامض في تلك الكتابات ، يقول:
” وقع في نفسي أن ماركس هذا ( أي كما عند فرح أنطوان ) لابد له شأن عظيم في القضية التي يتحدثون عنها كثيرا باسم الاشتراكية ، لكن كيف سأصل إلى صاحب هذا الشأن العظيم بصورته الحقيقية دون الصورة المضطربة هذه ؟؟ بدءا من هذا السؤال بدأت أدخل في العلاقة السليمة مع ماركس: و من هنا بدأ ماركس يدخل حياتي وما أزال في النجف..” .
جاء مروة إذن , إلى الماركسية متشبعا بثقافة دينية موسوعية ، وودع جامعة النجف التي لم يتخرج منها كرجل دين و”شيخ مهيب “, وإنما كمثقف ومفكر جمع بين القديم و الحديث في مخزونه العلمي والأكاديمي : بين ثقافة دينية تراثية وبين ثقافة حديثة ومعاصرة ما سيفتح أمامه آفاقا واسعة للإنتاج المعرفي في مختلف المجالات الأدبية والفلسفية والسياسية حيث ستصبح الكتابة طقسه اليومي في أكثر من صحيفة ومجلة .
3_ الانتماء السياسي الحزب : كان انتماء مروة الفكري للماركسية سابقا على انتمائه السياسي الحزبي, وكما كتب: ” لقد تأخر عني هذا الانتماء أو تأخرت عنه رغم أن الناس كانوا يستبقون إلى تسميتي شيوعيا قبل أن أكون شيوعيا ” .
ويحدد مروة الملابسات والظروف التي حسمت في اختيار انتمائه السياسي الحزبي ، أو كما يسميها “عقدة الانتماء الحزبي” , يقول في هذا السياق : “جاءت أحداث الوثبة العراقية ( 1947) , وانخرطت في هذه الأحداث : في التظاهرات الجماهيرية, في النضال السياسي ، و في الكتابة اليومية للصحف .. لقد هزتني هذه التجربة العظيمة وهزني دم الشهيد جعفر الجواهري شقيق شاعرنا ألجواهري.. اكتشفت أمورا خطيرة فقررت الانتماء ” .
وهكذا أنخرط مروة في العمل السياسي الحزبي ولكن دون أن يحترف السياسة كتدبير للحظة “وإبداع للتكتيكات”، مارس السياسة على واجهة البحث و التنظير انطلاقا من اقتناعه بأ ن مهمة الفكر والثقافة هي استشراف وبلورة عناصر الجواب على معضلات حركة التحرر العربي, النظرية منها و العملية . وفي هذا الإطار اندرجت مختلف إنتاجاته في الأدب و النقد و الفلسفة و الفكر السياسي,
وقد كانت المسألة التراثية في نظره من اكبر تلك المعضلات التي أولاها مروة أولوية مطلقة طيلة بقية مساره الفكري. ويمكن صياغة الإشكالية الموجهة لبحث مروة في التراث الحضاري العربي الإسلامي كالتالي : كيف يمكن خلق تواصل فاعل وخلاق بين التراث الحضاري العربي الإسلامي ، وبين الماركسية باعتبارها حصيلة كل المعارف و العلوم الحديثة, وأداة لتغيير العالم ؟ وبصيغة أخرى ، كيف نبني رؤية وموقفا من ثقافة الماضي يتكاملان مع حاجيات حاضر النضال القومي التحرري والاجتماعي العربي؟
من داخل هذه الإشكالية ستعود من العلاقة من جديد بين مروة و بين التراث : ثقافته الأولى في النجف ، ولكن هذه المرة كالتزام نضالي حزبي،يهدف إلى بناء إيديولوجية معركة التحرر و التقدم و التغيير الاجتماعي.