ذكرى اغتيال حسين مروة : “ماركس دخل حياتي و ما ازال في النجف “.
وقد كشف محمد دكروب ، رفيق مروة في مجلة الطريق اللبنانية أن اتجاه حسين مروة إلى تأليف ” النزعات المادية في فلسفة عربية الإسلامية” كان في إطار “مهمة حزبية” كلفه بها المكتب السياسي للحزبي الشيوعي اللبناني سنة 1968، و يورد في هذا الصدد نص رسالة لمروة إلى قيادة الحزب الشيوعي اللبناني,يقدم فيها ” تقريرا” عن المهمة التي كلف بها, وأنجزها بعد مرور عشر سنوات على ذالك التكليف, ومما جاء فيها :
“من حسين مروة إلى الرفاق الأعضاء المكتب السياسي
في مثل هذا اليوم منذ عشر سنوات بدأت الرحلة الرائدة في عالم التراث الفكري العربي الإسلامي التي شرفني الحزب لأن أكون أول مغامر يدخل نورا في مجاهلها، خارقا أكثر من سور فكري إيديولوجي حول هذا العالم التراثي (… ) وفي هذا اليوم ذاته ترفعني إليكم أيها الرفاق موجة فرح و اعتزاز لأتقدم بأول “تقرير” عن الرحلة, أقول أول تقرير ولا أقول التقرير الكامل لأن الرحلة لم تنته بعد وليس من شأنها أن تنتهي الآن…” (محمد دكروب _ موقع قادمون الإلكتروني) ,
ولم يكن ذاك التقرير غير الجزء الأول من كتاب ” النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ” الذي هو عبارة عن مجلد من 1024 صفحة.!
و في غمرة الجدال الذي أثاره صدور الجزء الأول من قراءة مروة للتراث ضوء منهج المادية التاريخية ، أكمل مروة الجزء الثاني , وبدأ يستعد للاشتغال على الجزء الثالث الخاص ب الفلسفة الإسلامية في الغرب الإسلامي ..و لكن أيادي الغدر امتدت إليه بكاتم الصوت فاغتالت بقية مشروعه الفكري, وأفق انتظار الباحثين والمفكرين, لتتوقفت مسيرته المثمرة والمتفردة يوم 17 فبراير 1987..
4_ تفاعل إيجابي ومتواضع مع منتقديه: في حوار أجريته معه لجريدة “أنوال” سنة 1985 أوضح مروة رأيه في بعض المؤاخذات والانتقادات لمقاربته أو قراءته الماركسية للتراث العربي الإسلامي :
فبخصوص مؤاخذته على الطابع الإيديولوجي لهذه القراءة التي وقعت في ما سماه الراحل محمد عابد الجابري”بالسلفية الماركسية ” علق مروة :” إن كل توجه إلى التراث في مرحلتنا التاريخية هذه إنما يشكل وجها من وجوه الصراع الإيديولوجي في هذه المرحلة”, مؤكدا على أن كل الكتابات التي تناولت مؤلفه تصدر هي الأخرى عن مواقف إيديولوجية .
أما عن مؤاخذته على ” ميكانيكية” التطبيق للمنهج المادي التاريخي, فيعتبر أن المشكلة ليست في المنهج ذاته ,” فنقادي يحملون المنهج ما يجب أن يحملوني إياه .. أنا لا أبرىء نفسي من هذه التهمة, فالخطأ شيء أنا فعلته وليس المنهج الذي فعله , وسيأتي بعدي من سيصوب أخطائي وفق المنهج ذاته”.
إن مختلف المقاربات المنهجية في البحث التراثي لا تخلو حسب مروة من طابع وخلفية إيديولوجيين , سواء كانت المقاربة ابستمولوجية أو تفكيكية أو تأويلية , فهو يعترف بأنه منذ التزامه ” الحزبي” بإنجاز قراءة للتراث العربي الإسلامي قراءة “مادية تاريخية” كان بصدد إنجاز”مهمة إيديولوجية .. نابعة من إلحاحية قراءة التراث وتوظيفه من منطلقات وأهداف المشروع الوطني التقدمي التحرري,” وهي المهمة التي أوقف حياته لأجلها دون أن تكتمل بإنجاز الجزء الثالث حول الفلسفة في الغرب الإسلامي بسبب فعل الاغتيال الجبان له من طرف قوى النكوص والطائفية المتخلفة والفتنوية .وعلى الرغم من وجاهة بعض الانتقادات للقراءة الماركسية للتراث , فإن هذه القراءة شكلت نقلة معرفية نوعية في الدراسات التراثية التي ظلت لقرون أسيرة المقاربات السلفية والتحنيطية والتمجيدية , فضد هذه المقاربات التقليدية والمحافظة, أسست المقاربة المادية التاريخية للتراث رؤية جديدة له باعتباره ( التراث) أحد المواقع الرئيسية في معركة التنوير والعقلانية ,وقربت بذلك نصوص القدماء, من متكلمين وفلاسفة ومتصوفة وعلماء, من جيل جديد من الطلبة والأساتذة والباحثين, ونفضت الغبار كما كتب الجابري”عن المفكرين الكبار الذين نبذوا أو هجرت نصوصهم فأعادوهم إلى صدارة الانتباه والاعتناء العلمي” .
منذ أربع وثلاثين سنة خلت, اغتالت قوى الظلام المذهبية والطائفية المفكر الموسوعي والمناضل الملتزم حسين مروة .. ولكن فكره المخضب بالدم بقي حيا, مؤثرا .. وحاضرا في قلب جداليات التراث المعاصرة ,التي تتغيا استكمال “حلمه” بإعادة التأسيس للمشروع الفكري التحرري النهضوي في مواجهة مشاريع الهيمنة الأجنبية , وقوى الاستبداد والنكوص والفتنة باسم الدين والمذهب والطائفة…