بالصدفة أثناء تواجدي بالمستشفى، رأيت رئيس الدائرة الرابعة للأمن بحيّنا باب الفتوح السيد فريد، رفقة امرأة مسنّة وهي في حالة صحيّة متدهورة. ولم تكن هذه السيدة سوى والدته. طلبت لها الشفاء وتركته في محنته وانصرفت. لكن ما أثارني كثيرا، هو عند عودتي إلى المنزل، وعوض أن يكون بجانب والدته التي تعاني المرض، وجدته هو نفسه ومعه فريقة الأمني كما العادة قبل الإعلان عن الفطور، يضعون حواجزا قرب سينما الأندلس، وهم يقومون بعمل توعوي وتحسيسي عن مخاطر الوباء لكل المارين العابرين واحدا واحدا عبر هذه الحواجز من حي واندو إلى باب الفتوح. مع حث هؤلاء بكل لطف على وضع الكمامة على وجوههم. ومثل هذه الحملات التحسيسية، أراهم يقومون بها يوميّا داخل الدروب والأزقة لضمان تباعد فعلي ولو نسبيّا بين الناس في أحياء شعبية يصعب فيها تطبيق الحجر بشكل تام..
أنا لا أكتب عن حالة السيد فريد لأنوّه بما يفعله بمنطقتنا في ظروف هذه الجائحة، ما دام ذلك هو من صلب واجبه الوطني واحترامه لمهنته. لكن حين تجد رجل أمن في ضرف صعب يفرض عليه أن يكون بجانب أمه ليقدم لها دعمه، وتجده يقدم الدعم لغيره في المجتمع. فذلك منتهى النبل، والأخلاق، ونكران الذات. وبذلك يستحق كل الإحترام. وكما نحن ملتزمون وملزمون بكشف وفضح كل الخروقات والمظالم التي يقوم بها بعض رجال الأمن والسلطة ببلادنا. فعلينا أيضا من باب الأخلاق أن نفضح ونكشف عن كل فعل نبيل وجميل وإنساني، يكون مصدره أي كان. فكما كشف لنا كورونا عن الكثير من الرؤوس التي تعتبر نفسها وطنية ومواطنة. فقد كشف لنا أيضا عن المعدن الأصيل لعدد من رجال الأمن، على الأقل في منطقتي “عَدْوَة الأندلس” التي لم تسجّل فيها لحدود الآن أية إصابة بفيروس كورونا، ولله الحمد..
صلاح الطويل