محمد نجيب كومينة
َرحل الطفل ريان بعد عملية انقاذ عبأت لها وسائل استثنائية و بدلت خلالها مجهودات غير مسبوقة تتبعها العالم.
كان الامل كبيرا في انقاذ الطفل الذي بقي على قيد الحياة رغم سقطته في عمق 32 مترا، اي ما يعادل 8 طوابق تقريبا، التي لابد ان تكون قد تسببت باضرار بليغة لاعضاء جسمه الصغير، و لكن النهاية لم تكن سعيدة كما تمنتها اسرته و كل المغاربة والناس اجمعين الذين عبروا عن تعاطفهم بمختلف الاشكال، ومن بينهم اخواننا الجزائريين الذين اولوا للطفل ولعملية الانقاذ اهتماما كبيرا و عبروا عما عبرنا عنه.
مؤلم دائما ان يتعرض انسان عامة، وطفل خاصة، للادى و يواجه تجربة ماساوية كالتجربة التي عاشها ريان، الذي لا يقوى على شئ ، ومؤلم جدا بالنسبة لاسرته ان تفقد صغيرها الذي سقط في بئر كان من المفروض ان لا يوجد في سفح جبل.
تتبعت الموضوع مند علمي به، تتبعته بكثير من التعاطف مع الصغير واسرته وباحساس بالالم، و اثارني، ايجابيا، المجهود الذي بدل من اجل انقاذه، واتصور انه ماكان ليكون بذلك الحجم والزخم لو لم تصدر تعليمات على مستوى عال لتعبئة كل الوسائل والجهات المعنية بالانقاذ، بحيث انجز شئ استثنائي للانتصار على المعيقات الطبيعية سيبقى راسخا، واشتغل الذكاء للبحث عن حلول لتجاوز كثير من المخاطر. لكنه اثارني كذلك، سلبيا، كيف تحولت الماساة الانسانية التي ادمت القلوب الطيبة، خصوصا وان الضحية طفل في عمر الزهور كان ممكنا ان يكون وضعه وماله مغايرا لو ولد بمدينة وفي وسط مرفه او متوسط وليس في مجال قروي-جبلي بالغ الصعوبة والقساوة، تحولت الى اثارة وبوز وتجارة من طرف البعض، وبالاخص في بعض منصات وسائط التواصل الاجتماعي حيث ترتكب جرائم ليس ضد اخلاق مهنة الصحافة وحسب، بل وضد الاخلاق البشرية بشكل عام و تكشف عن بشر يفتقد للحد الادنى من الضمير ومن الشعور الانساني يعتبر خطرا على البلاد وعلى المجتمع وعلى الحياة لو ترك ليفعل مايشاء كي يربح.
و اتصور ان الوكيل العام الذي تولى تتبع عملية انقاذ الطفل ريان سيكون مطالبا، بعد ان خف عليه الضغط القاسي الذي استمر لخمسة ايام طويلة، بفتح ملف استغلال الماساة الانسانية استغلالا بشعا ولا اخلاقيا و الترويج للاخبار الزائفة في كثير من الاحيان، وحيث ان النيابة العامة تبقى تراتبية، فان رئيسها يمكن ان يوجه بمكتوب لفتح بحث في التجاوزات المرتكبة وعرض نتائجه على قضاء الحكم ليقول كلمته وفقا لمقتضيات القانون. واذا كان الطفل قد فتح اعيننا على الكثير من الاشياء، ومنها ظروف الطفل القروي في المناطق الجبلية الوعرة التي لم تغيرها البرامج العمومية المعلن عنها، وعلى قدرتنا على العمل و تحدي العوائق عندما تتوفر الارادة و تتم تعبئة الادارات والوسائل، فانها فتحت اعيننا كذلك على كوارث في فضائنا الاعلامي-التواصلي منفلتة من كل تقنين، واحيانا بدعم بعض الجهات المفروض ان تتحلى بالمسؤولية كي لاتتورط ولا تورط معها البلاد في كوارث مسيئة، يجب التصدي لها بحزم، واظن ان ليس المجلس الوطني للصحافة، على علاته وعلله، هو المفروض ان يدخل على خط هذه التجاوزات الوحشية، بل وايضا الهيئة المكلفة بتقنين السمعي البصري وغيرها.
و مادام الشئ بالشئ يذكر، فلا بد من تقييم حقيقي لبرامج التنمية القروية وتنمية المناطق الجبلية والواحات و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها لنعرف مدى تحقيق ماصرف من ملايير من اموال الدولة والجماعات الترابية وعدد من المؤسسات العمومية المعنية بالفلاحة والعالم القروي، و الاموال المتاتية من التعاون الدولي شاملة منظمات المجتمع المدني، لنتائج حقيقية ملموسة وليس نتائج التقارير التي يتضمن الكثير منها تضخيما و يلجا البعض منها الى مالا يتناسب والاخلاق الحميدة.
رحم الله الطفل والهم اهله الصبر. فقدان عزيز مفجع و غير قابل للنسيان،و الاحساس بالفجيعة يصبح اكثر ضراوة وايلاما لما يتلق الامر بطفل صغير.