محمد نجيب كومينة
َرحل قدور اليوسفي، جلاد وقتال معتقل درب مولاي الشريف خلال سنوات الرصاص، بعد سنوات قضاها مريضا ومنبوذا تطارده لعنات ضحاياه في كل انحاء البلاد، ومن بينهم كاتب هذه التدوينة الذي قضى سبعة اشهر كاملة تحت رحمته مقيد اليدين معصب العينين ممنوعا من الحركة وحتى من النوم على “جنب” ومعرضا للتعذيب حتى لدى الذهاب الى قضاء الحاجيات الطبيعية. كل من مر من معتقل درب مولاي الشريف يذكر المقبور الذي يتلدد كل ليلة بممارسة هواية التعذيب كما لو انه يمارس لعبة الكولف و يحب ان يسمع صراخ شباب في عمر الزهور تحت وطاة الضرب و الطيارة، التي تشعر المرء بتوقف الحياة في جسمه، و الماء الوسخ و الكهرباء وغير ذلك مما تعرضت له مختلف المجموعات التي تعرضت لسادية الرجل و معاونيه الذين كان البعض منهم من فصيلة الوحوش الضارية التي تتهيج اكثر لدى رؤية الدم ينزف من الجراح او لدى انهيار الفريسة.
اذكر انني كنت اول من كتب مقالا عن قدور اليوسفي عندما تم تعيينه مديرا للشرطة القضائية في بداية تسعينات القرن الماضي واستطعت تمريره في الصفحة الاولى من العلم في غفلة من الجميع، واذكر ان المقال الذي صدر يوم الاثنين خلق ضجة كبرى، اذ ذكرت فيه “كل محاسن قدور اليوسفي” وتساءلت هل جزاء الجلادين هو الترقية، كما ذكرت فيه اسماء عدد من معاونيه الذين برعوا في التعذيب، و كنت قاب قوسين من التوقيف من العلم لكن اتصال عدد من السفارات، التي لم تكن لي بها اي صلة، وعلى راسها السفارة الامريكية التي داومت الاتصال بالجريدة لفترة للسؤال عني، لانني “كشفت احد اسرار المعبد” الذي ظل حبيسا، و كنت ممن تصدوا لمحاولات تبييضه من طرف صديقه ادريس البصري، حيث صرخت، دون تردد، عندما دخل لجنة برلمانية و اخبرت بصوت عال البرلمانيين بمن هو قدور اليوسفي الذي قدمه البصري بصفة “رجل وطني”، و كانت النتيجة ان اجتماع اللجنة البرلمانية الغي وقتئذ واجل الى يوم اخر حيث انعقدت دون حضوره.
اديت ثمن ذلك في وقت كان فيه المغرب بصدد الخروج من سنوات الرصاص واعتماد المنظومة الكونية لحقوق الانسان، لكنني لم اتوقف عن اداء الفاتورة حتى بعد ذلك وبعد وبعد، لان امتدادات واشباه قدور اليوسفي موجودين ومستمرين، وليس في البوليس وحده، وهم يربطون وجودهم وسلطهتهم ومنافعهم بممارسة تصفية ماتبقى من رصيد المغرب في ميدان التعددية السياسية والاعلامية والثقافية الحقيقية، و فرض القيود على الحريات، والسعي الى خلق القطيع .