رحل الوفا وبرحيله ترك لنا أبلغ رسالة مفادها أن قيمة الرجال مع كامل الأسف لاندركها سوى بفقدانهم ليس لمدة وجيزة بل غيابهم للأبد . حين تفقد رجلا بحجم الوفا فالفراغ الذي يترك أكبر من أن تحده حدود مراكش بل لايسعه سوى الوطن فقد كان خير سفير لمسقط رأسه. يحمل هويته في محياه دون الحاجة للإفصاح عنها . بسيط في خطابه عميق في شعوره الإنساني له غيرة على وطنه وفي كما هو اسمه يحمل كل معاني الوفاء . حين غادر هذه الدنيا الفانية جاءت الشهادات في حقه تتقاطر تباعا كغيث ممطرة لتترحم على روحه لم تتوقف توثق لمسيرة الرجل الحافلة بالعطاء، ما أجمل أن يسمع الغير عنك ماكنت تمضي به حياتك في شتى المجالات يثني عليك بكلام كإكليل نسماته وأريجه ورونقه يزين جنازتك لمثواك الأخير !
إنها لحظة قلما تتاح للفرد هنيئا لكم استاذي الوفا بهذا التتويج دون أن تكون حاضرا كلنا نشهد لك مبتهلين أن تحفك الرحمة ويتولاك المولى بكريم عطفه وإحسانه .
الوفا كرجل خبر السياسة وهو يبصم على مسار حافل بالعطاء لاتستهويه المزايدات ولا تستدرجه بل له من النباهة مايجعله يفحمها بالرد المناسب استطاع أن يستند في مرحلة حرجة سادت فيها التقاطبات والتجاذبات فقال قولته المشهورة وهو يبتسم ابتسامته المعروفة إنها ابتسامة التحدي فيقول
” يكفي أن تنظر الى وجهي لتعرف أني استقلالي دون أن أتكلم .فلست في حاجة لمن يمنحني هذه التزكية أو ينزعها مني ”
كثيرة هي المواقف التي عاينتها تبين أن الوزير الوفا يتمتع بمعالم شخصية فريدة و أنت تنظر إليه ترى في وجهه صورة ذاك المراكشي القح وإذا تكلم فلاتحتاج للنظر لعقارب ساعتك لتحصي أنفاسها لأن المرحوم له قدرة كبيرة على أسرك بسحر طريقة كلامه ووضوح مواقفه التي لاشك أنها سببت له متاعب في كثير من الأحيان مع القريب قبل البعيد .كما لايمكن أن يغيب عنا عامل أساسي كان المرحوم يتمتع به إنها الكاريزما بمقومات شخصية فذة لم تأت من فراغ فهو ينحدر من عائلة سياسية بامتياز خبر دواليبها وخاض حروبا في تدبيرها يتمتع بحس نقذي رفيع .ودعابة مصحوبة بقفشات نوعية تمتح من فطرة الشخصية المراكشية التي تتمتع بسرعة البديهة والدعابة وخفة الدم والظل كذلك .
ثلاث مواقف أسوقها للوقوف على سيرة هذا الرجل الذي غادرنا في صمت .
الموقف الأول في إطاراللقاءات التواصلية الأولى مع النقابات كان لقاؤه مع المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم حيث كنت حاضرا وبينما كنا نناقش معه مجموعة من النقاط . احتد النقاش بينه وبين أحد الاخوة فأشاح بوجهه عنه حيث كان جالسا على كرسي متحرك ونظر للأخ الكاتب الوطني فقال له المحاور (حين أتكلم معكم السيد الوزير المطلوب أن تنظر إلي) فرد المرحوم الوفا( خلاص بغيت نبدل الساعة باخرى ) فضحك الجميع من رد لبيب .
الموقف الثاني التقيته في مركز التكوينات بعدما انتهى للتو من تناول وجبة غذاء مع متفوقي الاولمبياد حيث جاء ليتفقد أجواء الحوار القطاعي . وهو يسلم على الاخوة ممثلي الجامعة الوطنية لموظفي التعليم فلما أراد مصافحتي قال له أحد الإخوة إنه ابن بلدتك مراكشي .فنظر الي مليا وقال “ماعرفت فين فايت شفتك ”
فأجبته متسائلا كذلك “وأنا كذلك ماعرفت فين شفتك ” فرد على الفور “باركة من لبسالا ” وهو يشد على يدي مبتسما و مازحا وقد خلق جوا من المرح والدعابة .
الموقف الأخير حضرت انعقاد مجلس اداري بالأكاديمية بمراكش والوفا رئيس الجلسة فعاينت تدبيرا إجرائيا وردودا عملية لعل أبرزها موقفين واضحين الأول حين صرح بأن المغرب له طاقات وليس بحاجة لما أسماه أنذاك “بوشعكوكة”
وهو يقصد (روجي ايكزافيي) صاحب مقاربة بيداغوجيا الإدماج ونحن نؤدي له أتعابه بالعملة وعليه الرحيل قبل 48 ساعة من المغرب .والموقف الأخير حين أوقف متدخلا يحكي عن انجازات الثمانينات في التربية البدنية فعقب عليه موقفا تدخله ” آآ ستاذ ….أيام بابراهيم لبلول مشات الله يرضي عليك اعطيني اش خص ايدار ليوم …!
اسم (بابراهيم) للمعلومة رجل رياضة معروف خدم كرة القدم يعرفه أهل مراكش ” لسنا في ذاكرة المدن يا أستاذ نريد أستشراف المستقبل ”
ذ ادريس المغلشي