التقت مجموعة من الكتاب العرب، واتفقوا على كتابة مؤلف حول المغرب، يضمنوا من خلاله علاقتهم بهذه البلاد، وحبهم وتقديرهم لها. الكتاب أطلقوا عليه “الرسائل المغربية: عشرون كاتبا عربيا يروون مدن المغرب وطيفا من وقائعه”.
واغتنم جزء من الكتاب الذين ساهموا في إنجاز هذا العمل الأدبي، والذين ينحدرون، على الخصوص، من لبنان وسوريا والعراق والجزائر وموريتانيا، مناسبة انعقاد الدورة الـ 25 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، لتقديم كتابهم إلى القراء المغاربة، وهو الجزء الرابع من السلسلة التي باشرت دار النشر اللبنانية “الفارابي” نشرها منذ سنة 2016 ، وشملت “باريس كما يراها العرب” و” الرسائل الدمشقية” و” المئوية الثانية للقضية الفلسطينية من سايس بيكو إلى الربيع العربي”، ولفتح النقاش حول دور الأديب والمثقف العربي في مد جسور التواصل بين مختلف مكونات الوطن العربي.
وأوضح الإعلامي والكاتب اللبناني سامي كليب، الذي أشرف مع مواطنه، الباحث والكاتب الصحافي فيصل جلول، على تأليف هذا الكتاب، أن المملكة المغربية تتبوأ مكانة خاصة في قلوب ووجدان الأدباء العرب، نظرا لعراقة تاريخها وثراتها وحضارتها، مضيفا أن فكرة “الرسائل المغربية” انبثقت من الرغبة في إتاحة الفرصة للمثقف العربي للمساهمة في نهضة المجتمعات العربية.
وأضاف سامي كليب، الذي اختار مدينة الدار البيضاء للكتابة عنها، أن الهدف من الكتاب هو أن “يكتب عن الدولة غير أبنائها”، لإعادة ربط الجسور بين مكونات الوطن العربي، ولتعريف أبناء هذا الوطن بمدن وحواضر بعضهم البعض، من خلال تقديم نبذة عن تاريخها، وشرح لعاداتها وثقافتها.
من جهته، قال فيصل جلول أنه يمكن إيجاد معلومات كافية عن المدن المغربية في الإنترنيت، ولاسيما على مواقع الموسوعات المفتوحة، ولكن هدف “الرسائل المغربية” لم يكن يتجلى في استعادة ما كتبته هذه المواقع، بل تمكين الكاتب العربي من صياغة نص حر عن مدينة مغربية من اختياره، ووصفها كأنها مدينته، مضيفا أن ما يميز هذه النصوص عن غيرها، هي “الروح الشخصية والملامح الإنسانية الموجودة فيها”.
وسجل جلول أن رغبة الكتاب تتجلى كذلك في استئناف صلات الوصل التي كانت قائمة من قبل بين النخب العربية، بما أن الفضاء العربي كان تاريخيا فضاء مفتوحا، معتبرا أن “الرسائل المغربية” هي عبارة عن رسائل حب وتقدير للمغرب وأهله، وكذلك رسائل معرفية يرجى منها أن تشكل إضافة إلى تاريخ المغرب العريق.
من جهته، قال الأديب العراقي فاضل الربيعي، الذي اختار الاستقرار في مدينة القنيطرة والكتابة عنها ، أنه لم يختر المغرب لأنه يرغب في رؤية البلد من منظور سياحي، بل لأن المغرب كان يشكل دائما بالنسبة له “التاريخ العريق المختزل الذي لم يستكشفه الكتاب العرب بعد”، ولذلك اختار العيش فيه ليكتشف بنفسه هذا البلد الذي “يلتصق بالتاريخ، والتاريخ يختزل في كل تفصيل من تفاصيله اليومية”.
وأضاف الربيعي أنه قرر الانتقال إلى العيش نهائيا في المغرب منذ 2012، وأصر أن يعيش فيه كواحد من الناس “الذين يتجولون في الأسواق ويجلسون في المقاهي”، معتبرا أن المدخل الحقيقي للعيش باطمئنان وبهدوء هو العيش مع فقراء المدينة. وقال أنه منذ اللحظة الأولى التي احتك فيها بالمجتمع المغربي، أحب هذا الشعب بصدق وتعمق حبه له عندما وجد نفسه يعيش وسطهم.
أما بالنسبة للكاتبة اللبنانية نايلة ناصر، التي اختارت المساهمة في “الرسائل المغربية” بالكتابة عن طنجة، فقالت إنها “أ غرمت” بالمدينة منذ اللحظة الأولى التي وصلت إليها، عازية ذلك إلى مجموعة من العوامل الجغرافية والمناخية والإنسانية التي تذكرها ببلدها لبنان.
وأكدت أنه على الرغم من حبها للمغرب عامة وزيارة مجموعة من مدنه، إلا أن طنجة تتبوأ بمكانة خاصة في قلبها، متمنية أن يجعل النص الذي كتبته كل قارئ يقع في حب المدينة وأن يزورها، لأنها “مزيج من الجغرافيا الحسنة والتاريخ العريق، وخليط من الأصوات والنغمات واللهجات والأعراق”.
من جهته، اعتبر الروائي والصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي، الذي اختار الكتابة عن الرباط، أن نصه يروي علاقته بالعاصمة المغربية، وعلاقة أسرته وقبيلته والمنطقة التي ينحدر منها (جنوب موريتانيا) بالرباط، مضيفا أن هذه العلاقة هي علاقة عمرها أربعة قرون، واصفا إيها بالعلاقة “الحميمية والقوية جدا”.
وبخصوص الشاعرة والإعلامية السورية نوال الحوار، التي اختارت الكتابة عن أصيلة، فأوضحت أنها كتبت عن المدينة بمنظور “العاشقة”، لأن “البياض الناصع لجدرانها، والزرقة اللامتناهية على محيطها تبعث الطمأنينة والسكينة والهدوء”، مضيفة أنها وجدت في المدينة بعدا إنسانيا وشاعريا، بفضل موسم أصيلة الثقافي، والعدد الكبير من الكتاب والمثقفين الذين يزورن المدينة، وبفضل بساطة وطيبوبة أهل المدينة.
من جهتهما، اختارت الشاعرة والإعلامية الجزائرية لويزة ناظور، والكاتبة والإعلامية اللبنانية رانا أبي جمعة، مدينة فاس للكتابة عنها. فقالت ناظور أنها بالرغم من عدم زيارتها للمدينة، إلا أنها سافرت عبر تاريخها العريق واكتشفتها من خلال دواوين الشاعر الصوفي المغربي، سيدي عبد الرحمن المجذوب”.
أما بالنسبة لرانا أبي جمعة، فقالت إنها زارت فاس بعيون السائحة وليس بعيون الصحفية أو الإعلامية، معتبرة إياها مدينة لا تتسم فقط بتاريخها وحضراتها، بل بإنجابها الكثير من المثقفين والأدباء والسياسيين، وهذا ما يميزها، في نظرها، عن غيرها من المدن المغربية.
ويعرف البرنامج الثقافي للدورة الـ25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء (7-17 فبراير 2019)، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من قبل وزارة الثقافة والاتصال بتعاون مع الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، تنظيم العديد من الندوات التي تقارب شتى جوانب الشأن الثقافي المغربي التي تهم تعدد تعبيراته اللغوية، من عربية وأمازيغية وحسانية، وتنوع حقوله المعرفية والإبداعية، من تراث وأدب وفنون وعلوم إنسانية.
كما يساهم في البرنامج الثقافي لهذه الدورة، حوالي 350 من المفكرين والأدباء، والشعراء وشخصيات من عوالم السياسة والاقتصاد والفن والقانون سيدلون بآرائهم، وسيعرضون مساهاماتهم في فقرات ثقافية تستمر لعشرة أيام.