انت حين تفكر في الغرب ، تراه مرة سبب مصائب العالم ، رغم أنك تأكل من طعامه وتستقل سياراته وتسكن بيوته. ومرة تنظر إليه نظرة إعجاب مطلق وتتماهى معه دون أن تتماهى مع روحه النقدية ودون أن تشك لأنك لاتفكر ، ولأنك لاتفكر ، ولأنك درجت على الخلط بين التفكير والتغريب ، التفكير والتكفير. ثم إنك خرجت علينا يوما بأسطورة التراث، وأنه لا تجديد ولا تقدم إلا به ، وأن علينا أن نعيد قراءته ، لكن مايفيدنا إحياء جثة هامدة، انفصلت عنا وانفصلنا عنها ولم يعد لها ما تقوله للحاضر ؟ لماذا تقلق راحة الأموات ؟ لماذا تصر على العبث بأشلائهم ؟ وحين تعوزك الحيلة ويخونك المنطق ،تستسلم لنظريات المؤامرة التي يرددها رواد المقاهي ، وكل من يفضل الكسل على التفكير ، فتخرج علينا بأفكار مضحكة ومثيرة للسخرية ، من أن اليهود سرقوا ابن رشد وسموا شارعا في اسرائيل باسمه ، أو أن كانط فيلسوف يهودي أو أن الفلسفة الغربية، التي أعطت البشرية الحرية والإنسان والنقد ، مجرد مشروع استعماري وأفكار مرتبطة بسياقها لا ضرورة للأخذ بها ، وتتناسى أن أفكارك من صنعت عقلية استمرأت العبودية والذل واستسلمت للكسل وسمته فكرا وللظلم فسمته قدرا .ولعل مشكلتك أنك لم تتعلم يوما الإصغاء لنبض الحياة من حولك ، وتسمية الأشياء بمسمياتها ، وأدمنت المرواغة وخلطت بين الثقافة والتجارة. ولو تحليت بقليل من التواضع ، لعرفت أننا تحولنا إلى مهزلة تاريخية ، وأننا نحارب بعضنا وندمر أوطاننا ونعيت فيها فسادا ونسرق مستقبل أجيالنا القادمة.إن تكبرك من منعك من أن تتعلم أن الفكر قضية وأنه لافكر بدون انخراط في في زمن العالم وبدون استعداد للتعلم ، وبدون قليل من التواضع. “”””
من كتاب :رشيد بوطيب “”رسالة إلى مفكر هرم “”قراءات في الفلسفة الحديثة. منشورات دار طوبقال…