جاء في رسالة المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، الى كل من رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، رئيس الحكومة، وزير الثقافة والشباب والرياضة، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، وزير الداخلية، حول اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية : ” تحتفل شعوب العالم المؤمنة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها أمميا، باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، يوم 21 ماي من كل سنة، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها المنعقدة شهر ديسمبر 2002.
ويأتي هذا القرار بعد أن اعتمدت اليونسكو سنة 2001 الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، إيمانا منها بأهمية الاعتراف بالحق في التعدد والاختلاف ودوره في الحفاظ على السلم العالمي، وفي تعزيز التسامح بين الشعوب والحضارات؛ وجعلت من الدفاع عنه ” واجبا أخلاقيا ملزما، لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان”، وأن الاحتفال به ” اعتراف بأن ثراء الثقافات هو الطاقة التي ترسخ الإنسانية، وهو مكسب كبير في السعي لتحقيق السلام و التنمية…”، ومناسبة لتعميق النقاش حول مفهوم الثقافة وما تمنحه من فرص ” للتوفيق بين الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية للتنمية”.
وحيث أن الدستور يؤكد على تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ويقر بسمو الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها، على التشريعات الوطنية؛
ولأن المغرب صادق على العديد من الاتفاقيات ذات الصلة، ومنها “اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي”، الصادرة عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المنعقد في دورته الثالثة والثلاثين، بباريس من 3 إلى 21 أكتوبر من سنة 2005، المنشور في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم 1.13.112 الصادر في 13 نوفمبر 2013؛
ونظرا لأن المغرب يعتبر من بين البلدان التي تتميز بالتعدد والتنوع الثقافي، الذي تشكل فيه الهوية الأمازيغية الوعاء الحاضن للعديد من اللغات والثقافات، بمختلف تعبيراتها الافريقية والعربية والمتوسطية؛ مما جعله يستأثر باهتمام الآليات الأممية في مجال حقوق الإنسان، وهدفا للتوصيات الصادرة عن هياكلها الخاصة بالاتفاقيات ولتقارير خبرائها؛ كما هو الشأن بالنسبة للخبيرة المستقلة في مجال الحقوق الثقافية، التي زارت المغرب في سبتمبر 2011، والمقررة الخاصة بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، التي زارت بدورها المغرب في دجنبر 2018؛
واعتبارا لاهتمام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأوضاع حقوق الإنسان ببلادنا، وحرصها الدائم على الرقي بها حماية ونهوضا، فقد بات من واجب مكتبها المركزي التذكير بما يلي:
1- دعوته الدولة المغربية إلى الالتزام بما تتم المصادقة عليه من الوثائق الأممية في مجال حقوق الإنسان، والعمل على تفعيل التوصيات الصادرة من مختلف المؤسسات الأممية ذات الصلة باحترام وحماية والنهوض بحقوق الإنسان المتعارف عليها أمميا، كما جاء في ديباجة الدستور، واتخاذ التدابير الضرورية لحماية أشكال التنوع الثقافي التي تزخر بها بلادنا، ومحاربة كل ما يهددها بالزوال والاندثار، لما لها من ارتباط وثيق بالتنمية ودورها في محاربة الفقر والتخلف، ولما تشكله من مصدر للثراء المادي وغير المادي؛
2- قلقه من الوضعية المزرية التي يعيشها العديد من الفنانين والفنانات وتدهور حالتهم/ن الاجتماعية، بسب الإجراءات الاحترازية ضد جائحة “كوفيد-19″، التي أدت إلى نوع من البطالة الفنية، وكنتيجة لإغلاق المسارح، وقاعات الأفراح، ودور السينما واستوديوهات التصوير السنيمائي، ومنع الحفلات والمهرجانات. فبالرغم من أن وزارة الثقافة خصصت قدرا ماليا لدعم المشاريع الثقافية والفنية، خلال موسم 2020-2021، إلا أن تأثير ذلك ظل محدودا وموضع تنديد واستنكار للطريقة الريعية التي تم بها؛ حيث استفاد البعض ممن لا علاقة له بالمجال أو ممن ليس في حاجة إلى الدعم، فيما جرى إقصاء الكثير من الطاقات الإبداعية التي كانت في أمس الحاجة إليه؛ ومنها خاصة الفرق الشعبية ذات الطابع الغنائي الجماعي كأحيدوس، وأحواش، وفن الهيت، والطقطوقة الجبلية، ومحترفي فن الراب، والعديد من المجموعات والفنون الأخرى، ذات العمق الثقافي الشعبي، المتواجدة في جميع مناطق المغرب الغني بتعدده الثقافي، والتي يطالها التهميش و الإقصاء؛
3- انشغاله المتواصل بما يتم إصداره من قوانين ومراسيم تطبيقية منافية لما تنص عليه المراجع الأممية في مجال حقوق الإنسان، ولا تراعي البعد الحقوقي ولا تستحضر الالتزامات الأممية للمغرب؛ ونخص بالذكر القانون رقم 13/113 الخاص ب”الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية”، والقوانين: رقم 17.62 الخاص بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، ورقم 17.63 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، ورقم 17.64 الخاص بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري؛ من حيث أن أراضي الجموع تشكل إرثا ثقافيا، وخاصية تاريخية تعكس نمطا متميزا للعيش، يستدعي المحافظة عليه وتطويره عوض استبعاد المعنيين من كل مشاورة أو استشارة، والاستفراد بالقرارات التي تروم الخوصصة والتفويت، دون مراعاة للبعد الثقافي والهوياتي التي ترمز إليه، وتسعى إلى استئصال السكان الأصليين من بيئتهم؛ وهو ما يهدف اليه، بصريح العبارة، المرسوم رقم 2.19.973 بتاريخ 09 يناير 2020 الخاص بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، الذي استبعد، بموجب مادته الأولى، أعضاء الجماعة غير المقيمين، بما يسميه المرسوم، بتراب الجماعة السلالية، علما بأن أغلب المالكين غادروا أراضيهم بسبب قساوة الطبيعة وتوالي سنوات الجفاف وبحثا على لقمة العيش؛
4- تخوفه من استمرار سياسة التماطل والتجاهل إزاء تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، بصفتها القاعدة والأصل في احتضان التنوع الثقافي في بلادنا. وقد سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن عبرت عن موقفها الرافض لمضامين بعض المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي رقم 16.26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والقانون رقم 04.16 الخاص بمجلس اللغات والثقافة المغربية، أثناء مرحلة مناقشتهما كمشروعين؛ إذ أثارت استبعاد المقاربة التشاركية مع المعنيين بقضايا اللغة والثقافة الأمازيغية، من جمعيات وفعاليات أمازيغية وحقوقية، واستفراد السلطات العمومية بالملف في تعارض مع ما تنص عليه الاتفاقيات الأممية ذات الصلة، وانتقدت الطابع غير الاجرائي لتلك المضامين التي لا تسمح بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بالشكل الصحيح و المطلوب. وهذا ما يتأكد في الوضع الحالي الذي يتسم بنوع من الإهمال واللامبالاة، وبالتراجع عن المكتسبات التي تحققت قبل دستور 2011، وخاصة في مجال التعليم والإعلام؛
5- يعتبر أن ما نصت عليه إحدى الفقرات الواردة في ديباجة اتفاقية تعزيز وحماية التعبيرات الثقافية، من أن “حرية التفكير والتعبير والإعلام، وتنوع وسائل الإعلام، يكفلان ازدهار أشكال التعبير الثقافي داخل المجتمعات”، يشكل نوعا من التدابير الضرورية لحماية تنوع أشكال التعبير الثقافي، الأمر الذي يستدعي واجب الحماية والنهوض بأوضاع حقوق الإنسان في كامل أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي انتظار استجابتكم لمطالب الجمعية، ذات الصلة بالتنوع الثقافي، ومنها تسوية أوضاع الفنانين والفنانات من مختلف الفئات والفنون، الذين يعيشون ظروفا مأساوية، والاهتمام بالمآثر التاريخية وحمايتها، ومراجعة القوانين التي لا تستحضر البعد الحقوقي؛ كما هو الشأن بالنسبة للقوانين السالفة الذكر، الخاصة بتدبير أراضي الجموع، وتلك المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والاستجابة للمطالب المتعلقة بإطلاق سراح معتقلي الرأي والتعبير، والإسراع بتصفية ملف الاعتقال السياسي، تقبلوا عبارات مشاعرنا الصادقة.