إدريس الأندلسي
الأمر يتعلق برسالة قصير نصها و واسع مضمونها. ما القضية و ما الأهداف؟ القضية أن بلادنا لا زالت متخلفة في مجال الأداء المالي الإلكتروني و في تطبيق كل الوسائل المتاحة لسد الطريق أمام الشفافية في المجال المالي . نعم لدينا بطاقات بنكية لأداء فواتير و لشراء مستلزمات و سلع و خدمات و سحب نقود من الشبابيك البنكية. و لكن الأداء بالبطاقة ليس مؤشرا على تطور وسائل الأداء عن بعد و دخول المعاملات المالية إلى مرحلة السرعة القصوى في مجال التحويلات. المعلوم لدى الجميع و خصوصا من تعودوا على تخزين الأموال عبر وضعها في صناديق و الأداء نقدا أن الرغبة في الإبتعاد عن العيون فيه خير كثير. ” ما شفتني ما شفتك” عبارة يقال أنها ” تستر للأرزاق و تحمي من ” العين”. الأمر يتعلق بالأساس بعيون الضريبة و شفافية المعاملات. أسواقنا لا تؤمن إلا بالأداء نقدا و هذا خطير و بعيد عن العصرنة و الشفافية. وتصل العملة المتداولة نقدا حسب إحصائيات شهر نونبر 2022 إلى حوالي 350 مليار درهم و سيزداد نمو الكتلة النقدية تحت تأثير القروض و التحويلات إلى مستويات عليا. و السؤال سوف يظل محرجا للبنوك حول مدى قدرتها على الاقتراب من الزوايا الميتة التي تعيق النظر إلى الحسابات المريبة و ذات المصدر المجهول.
فلنفترض أن أغلبية من المغاربة ذوي ارصدة بنكية و لو متوسطة تريد أن تتعامل بالوسائط الإلكترونية. ماذا سيكون سلوك البنك أمامها و ما هي الرسوم التي ستؤديها. نظامنا البنكي يستفيد من الودائع الجارية للزبناء لتمويل قصير الأمد كبير الفائدة. و يستفيد من الودائع لأجل ليقرض على المدى المتوسط و الطويل بسعر فائدة يكبر بعد أن تضاف إليه تكاليف خدمات غير ملموسة و غير ذات تكلفة. والي بنك المغرب رجل ” ترعرع و كبر و تكون” في بيت المعاملات المصرفية. يعلم علم اليقين أن البنوك تحقق أرباحا كبيرة دون أن تغامر بوضعها المالي. كل شك في شخص أو شركة تأخرت عن سداد أقساط ديون بنكية يحرك آلية تكوين الاحتياطات على حساب الوعاء الضريبي. و هناك تضارب في الرؤى بين بنك المغرب و وزارة المالية في شأن الشروط التي يجب أن تجعل من تكوين احتياطي المخاطر و التي يمكن أن تقلص من محاصيل الضريبة كدخل جاري لخزينة الدولة. المعنى أن البنوك تحمي نفسها على حساب توازنات مالية الدولة.
رسالة والي بنك المغرب إلى المنظومة البنكية لتشجيع التحويلات البنكية الإلكترونية و الارتقاء بنظامنا المالي إلى مصاف الدول التي تتوق إلى بلوغ درجة أعلى في مجال الشفافية، تهدف إلى أن يرفع النظام المصرفي عائق التكلفة. لا وجود لبنك لدينا لا يحقق مداخيل محترمة جدا في مجال الوساطة المالية. و هذا الحرص على الربح الكبير لا يشجع على توسع النظام البنكي و ضبط العمليات المالية و إدخالها إلى عالم الشفافية. ” الفلوس فالمكية” عبارة يعرفها الكثير ممن اقتنوا مساكن اقتصادية. سعر 25 مليون سنتيم شعار لا علاقة له بالواقع في كثير من الحالات. التعامل الإلكتروني جزء من نظام ” البلوك شين” الذي يحرر العمليات الإقتصادية و المالية من تدخل الإنسان كقوة شر و ذات تأثير على مسار تنفيذ مساطر في لحظات. تذكرني رسالة بنك المغرب برسائل أخرى وجهها الوالي لكي تنعكس قرارات خفض سعر الفائدة الأساسي على تكلفة قروض المقاولات و الأشخاص الذاتيين.
لقد أصبح من اللازم أن تلعب البنوك ادوارها الإقتصادية في إطار المحافظة على ما وصل إليه المغرب في مجال محاربة كل ممارسة قد ترجعنا إلى المنطقة الرمادية في تصنيفات مجموعة العمل الدولية المعروفة ” بالكافي”. و بالإضافة إلى التبليغ عن كل عملية تثير الشكوك، وجب إستعمال وسيلة تخفيض تكلفة المعاملات البنكية من أجل توسيع حجم المتعاملين عبر الحساب البنكي. الأمر ليس مجرد مؤشر عن عصرنة تدبير بل إشارة سياسية للتقليل من إستخدام الأموال الورقية التي تملأ الجيوب و الصناديق و التي تستعمل في الرشوة و الانتخابات و غسيل الأموال. و اليوم لا زال بنك مغربي عمومي واحد يتحمل عبىء كل الممارسات لتمويل من لهم القدرة على التأثير على القرار. و إن أراد مسؤول تفعيل القانون و لعب دوره يصبح في دائرة المشكوك في كفاءتهم. من يريدون تطهير المعاملات المالية و المصرفية و رفع مستوى شفافيتها كمن لا زالوا يثقون في الوصفات السحرية يا ولدي…يا ولدي.