إدريس الأندلسي
شهر رمضان يغير الكثير من ايقاعات حياتنا و حتى من زخم امزجتنا و نمط عيشنا اليومي. لا يختلف في هذا الأمر المتدين عن غيره و لا المحافظ على التقدمي و اكاد اقول الفقير عن الغني لكن بشيء من الوعي بثقل القوة الشرائية على الواقع اليومي في رمضان. رغم انه شهر يتيح صفاء القلوب و نوعا من التراحم الإجتماعي، يظل بعض “المترمضنين ” يؤثثون بنرفزتهم الزقاق و الأحياء. ويظل بعض المفسدين ماضون في فسادهم و لذلك فرمضان هو ايضا شهر محاسبة من يعادون مصالح الوطن داخليا.
لكن بداية شهر رمضان يشهد هذا العام بعض الصرامة في نهج محاسبة بعض المسؤوليين على نطاق واسع و وضعهم امام مسؤولياتهم. أجهزة الأمن و القضاء تجاوبت بكثير من المسؤولية و الحرص على تطبيق القانون مع عدة مسؤوليين على صعيد وزارات و جماعات و مؤسسات. مسؤولون امنيون وجدوا انفسهم امام ادارة لم تعد تغمض العين منذ مدة عن تجاوزاتهم. في أكادير أخيرا و قبل ذلك في مدن اخرى أصبحت المحاسبة تتخذ شكل عقوبات إدارية رادعة و أخرى سالبة للحرية امام القضاء. و من المؤكد أن الإتجاه نحو المحاسبة سيزيد في حماية المواطنين ضد الشطط في استعمال السلطة و ذلك بالموازاة مع ترقية العناصر الأمنية المخلصة لرسالتها.
شهر رمضان سيشهد بداية محاكمات و استمرار أخرى لمسؤولين في وزارة الصحة و لبرلمانيين و لقيادات حزبية مسؤولة عن تجاوزات تضر بمصالح المواطنين و تضر أكثر بثقتهم في مؤسسات بلادهم. وهذه الثقة لها علاقة بالاستقرار و النمو الاقتصادي و حتى بالوضعية النفسية لمواطني بلادنا و لمن اختاروا الإستثمار في اقتصادنا. الشدة و الصرامة طبعت القرارات التي اتخذتها وزارة الداخلية على من دخلوا جماعاتنا الترابية دون تكوين و لا تربية فحولوها الى حلبات للملاكمة و ميادين لتباذل افحش الكلام و الاصطدام من أجل الحصول على مصالح شخصية. هؤلاء لا مكان لهم في المؤسسات و لذلك بدأت أوراقهم تتساقط بقرارات مسؤولة. و يجب بعد ذلك محاسبتهم عن كل فعل اقترفوه و عن كل منفعة حصلوا عليها في استغلال لنفوذهم.
شهر رمضان لهذه السنة لن يكون رحمة و لا مغفرة و لا عتقا من النار على من خانوا ثقة المواطن و حرمة مؤسسات الوطن. نشهد منذ اسابيع حملة لتحرير الملك العام في عدد من المدن و الجماعات. و لقد استبشر المواطنون خيرا بهذا الفعل. من رأى ما يجري في حي “ديور الجامع” بالرباط على سبيل المثال يتمنى المزيد. الأزقة التي كانت ضيقة توسعت بفعل الصرامة في استرجاع الملك العام. و هذا الدور تقوم به السلطة لأن الكثير من المنتخبين يخافون من ضياع ثقة بعض المؤثرين في تصويت الناخبين و تغاضيهم عنهم سبب ما اصاب معمارنا الحضري من مرض و قبح. و على الواجهة البحرية الممتدة بين الهرهورة و الصخيرات تحركت ملفات مخالفات البناء و الاستيلاء على الملك البحري العمومي من طرف اقلية لا تابه بالحفاظ على جمالية الشواطئ و لا بحق المواطنين في الاستمتاع بها. يظهر ان المتابعات تحركت و ان القضاء سيقول كلمة العدل لكي يتم هدم من اصبحت اقامته الشاطئية تصلها الأمواج في خرق للقانون. هذه الديناميكية التي تعرفها بعض الملفات تلقي بآثارها العميقة على ارجاع الثقة للمواطن في المؤسسات و التخفيف من حدة الغبن امام حالات الظلم التي يعيشها. ولعل التفاصيل التي تكشف كل يوم عن برلماني كبير متهم في ملفات كثيرة تهم بالأساس مجال العقار و الاراضي السلالية بفاس ،تبين حجم فساد الاخطبوط “الحزبي السياسي ” في بعض المدن و الارياف . محاكمنا تنظر و ستنظر في عدة ملفات “شبهة فساد” و فساد في قضايا معروضة عليها. و الى ان تثبت التهم بعد إكتمال درجات التقاضي سيظهر حجم الفساد المستشري في بعض وزاراتنا و جماعاتنا و تغاظي الكثير من الاحزاب عن ممثليهم خلال تواجدهم في المسؤولية رغم ما ظهرعليهم من ثراء .من وزارة الصحة الى جماعة مراكش مرورا بفاس و شواطئ الرباط و مدن اخرى ستنطلق مرحلة تقوية الثقة في المؤسسات و ربما قد نشهد جيلا جديدا من المسؤولين الاكفاء يحلون بمراكز القرار الجماعاتي و حتى داخل الوزارات و المؤسسات العمومية.
لا يوجد مغربي يحمل الوطن في دمه لا يريد دولة اجتماعية و لكنها قوية بأجهزتها التربوية و الأمنية و القضائية و الإقتصادية. فالضرب بيد من حديد على يد من يخون الامانة و لا يقوم بواجبه اتجاه وطنه بكفاءة و تجرد و نزاهة هو المفتاح الاساسي من ضمن المفاتيح التي ستمكننا من دخول مجال تنفيذ النموذج التنموي الجديد بكثير من العزم. فكلما سقط فاسد زادت قدرتنا الجماعية على التقدم الى الأمام و شعورنا بأننا سواسية امام القانون في الحقوق و الواجبات.