آخر الأخبار

رهانات  و شبح دخول سياسي  و مخاطره: أين الحلول 

إدريس الأندلسي

 وضع شبح الكفر بالسياسة رجليه في ما كان يسمى بالمحراب. شجع لاعبو الفرق السياسية و الحزبية كل ممثليهم على نهج نفس الخطة. قال الزعيم أن الأهم هو تسجيل الأهداف في شباك المواطنين، كما يفعل الآخرون.  كانت شابة يافعة  و مجتهدة تسكن في ضواحي مدينة مراكش. شاءت اللعبة أن يتم التنقيب على  البعض لتشكيل فريق حزب جاء من ” فوق” كما جاء من سبقوه. دخلت الشابة في مجلس ، كما دخل  أقرانها ،  ثم زج بها إلى  رئاسة، و منها إلى موقع  في منصات القرار  الترابي. تم التدريب، فلبست الشابة لباس الرئاسة لتصبح خبيرة في المعاملات كمن  سبقوه فأصبحت  ” واعرة”  و المستقبل حمال للمفاجئات .  و سيأتي ذلك اليوم لنسمع عن تغير من حال إلى حال.  و لقد سبق لعمدة سابق، كالعمدات، السابقين أن اقسموا بالغليظ من اليمين، أنهم اتبعوا نهج المستثمرين الشباب  و نالوا حظهم  فراكموا الثروات رغم ثقل المسؤوليات. و هكذا زاد حجم الشبح ليخيم على المؤمن بالسياسة. اجلس فوق كرسي ثم ردد دعاء الحصول على المال  و الامتيازات ثم لا تنتظر حتى تستقر. خذ نصيبك من الدنيا السياسية  و لا تعر انتباها للآخرين، بمن فيهم كاتب هذه الهرطقات، و لا زال  مستمرا فيها. قد تنجو و قد تغفو، فاحذر من المقربين إليك.  هم الخطر الأكبر، أما المواطن فقد يسبك  و لكنه يوكل أمره في النهاية إلى صاحب المحاسبة الأكبر.

لا زال التدبير السياسي للتراب الوطني ملتصقا بثقافة التضامن الحزبي  و لم تتغير العقليات  و أخلاق الممارسة رغم تجديد النخب. كثيرة هي الأحزاب التي خلقت نوعا جديدا من التكوين الحزبي السياسي. استثمرت في مصحات مختصة ” بالحاضنات” و صنعت من الخدج شبابا ملتزما لا يبالي بقيم جلها ينتمي، حسب رأيه،  إلى ماض تولى. ” عفس  و زيد ” و لا يهمنك مجتمع مدني  و لا صحافة قديمة  و لا جمعيات حقوقية.  أنت الأقوى  و أنت  الداخل في منطقة حماية  المحتضنين. تعلم أن القرار السياسي الترابي مهم جدا  و ثمين جدا  و مفيد جدا لمن يفقهون في صنع شيء من لا شيء.  و المقصود صنع القوة من الضعف  و صنع الغنى من دخول انتخابات،  وصنع مكانة في المجتمع  من جهل بقيم المجتمع.  يجب أن يظل الأهم هو إختيار الوقت المناسب للركوب على الأمواج. و هكذا دخل الكثير إلى ملعب الانتهازية  و جزء منهم يقبع في فضاء السؤال القضائي  و الفقهي  و الديني  و الدنيوي؛ ” من أين  لك هذا؟ “

تنتفخ الأصوات في المجالس المسماة منتخبة لتسيطر على المساطر في حضور سلطات الوصاية.  و لا يوجد إطار يحد من سطوة ” شبيحة المجالس” الذين يسبون  و يكسرون طاولات  و كراسي  و ميكروفونات المجلس الممولة من طرف المواطنين.  و تظل كثير من الأحزاب ماضية في عمليات التنقيب على محترفي المبارزات العضلية  و اللاأخلاقية  ليشدوا العضد حين يضعف السند. و تغيب مدونة للسلوك داخل الجماعات الترابية و تكبر مساحات الفوضى إلى أجل غير مسمى.

يزحف الشبح على عيش المواطن فتتضاعف الأسعار.  كان صاحب الدخل المحدود يلجأ إلى الدجاج بدل اللحوم الحمراء.  وإذا به ضاق الأمر، يلجأ إلى سمك السردين. فأغلقت أبواب المفاضلة بفعل وصول سعر الدجاج إلى أكثر من  30 درهم للكيلو  و أكثر  من 25 درهم للسردين،  و أصيب سعر البيض،  الرومي  طبعا ، بهوس التضخم  كذلك.  و دخلت الخضر  و الفواكه إلى ” الميركاتو الصيفي ”  بفعل تفضيل الخروج إلى  الأسواق الخارجية ذات  الأسعار المفيدة.  باعوا لنا  آمال المغرب الأخضر و صرفوا على برامجه الملايير  و قالوا للمواطنين أن إرتفاع الأسعار ذو طابع عالمي.  و لكن كبار ملاكي الاستغلاليات الكبرى لا زالوا أكبر  المستفدين من الكرم الحكومي عبر صندوق المقاصة  و صندوق التنمية الفلاحية  و كل الإجراءات الضريبية و لن يفرطوا فيه. و لن يفرطوا أيضا في موقعهم في مواقع القرار المركزي  و المحلي. 

و يزيد الشبح في الانتشار أمام تراجع خدمات قطاعي الصحة و  التعليم.  سنة بيضاء بقرار سياسي حكومي رغم إعلان كبير عن حضور كبير للدولة الإجتماعية في البرنامج الحكومي. و لا يوجد حل في الأفق. تغيب الحكمة و  الحكامة عن وزراء همهم الأكبر الانتصار على كل من يحمل مطالبا من أجل  عدالة أو حكامة افضل  أو مراجعة لقرارات غير ذات منفعة للبلاد. يمتد ظل الشبح رغم غياب حجم معارضة سياسية أمام أغلبية تريد السيطرة على كل شيء.  و يعرف كل من يقرأ واقع ممارسة السياسة في مغربنا أن ركنها من ” كارطون” و سقفها من طين. لا تعرف الحكومة من سيفاوضها غدا  و بأية صيغة  و حول أية مطالب. و يظل الخطاب الحكومي  و خطاب رؤساء الكثير من الجماعات الترابية مغرقا في تجاهل الواقع المعيشي للمواطن. 

توجد أمامنا أيام قبل الدخول الإجتماعي و المدرسي و البرلماني  و السياسي الحزبي   و لا توجد أمامنا تباشير صبح جديد. سنتعرف بعد شهرين  على عدد سكان المغرب ،  و نتمنى  أن تسرع المندوبية السامية للتخطيط في تحليل النتائج  لتبين وضع السكان  و السكنى من خلال ما  جمعته من استمارات و من خلال” القراءة الأوتوماتكية للمعطيات” .  و لقد تعودنا على التأخير الكبير الذي يصاحب إخراج كافة المعطيات الخاصة بالإحصاء العشري الذي تطورت آلياته خلال  العقدين الأخيرين .

سيتم الدخول  و في قلب المغاربة غصة ناتجة عن تصديقها لوعود حكومية  من أجل إصلاح الأوضاع الإجتماعية. يمكن القول أن التغطية الإجتماعية المهمة جدا  و إستراتيجية بامتياز.  و قد نالت  من ايجابياتها  قوة الشبح في مجالات التضخم  و التشغيل  و تدبير الملف الإجتماعي. يجب التأكيد على أن التغطية الإجتماعية شكلت ثورة حقيقية كسياسة عمومية.  و يجب التأكيد كذلك أن المكون الأكبر لهذه التغطية لا زال غائبا.  و يتعلق هذا الغياب بضعف القدرة الاستشفائية العمومية المتعلقة بالتغطية الصحية  و بالضربة الكبيرة التي تلقتها القوة الشرائية للمستهدفين بالدعم المباشر كغيرهم من الفئات الإجتماعية. 

و تظل قضية الأسرة  و الحفاظ على استقرارها العمود الفقري لضمان توازن مجتمعي تحكمه قيم العدل  و المساواة الحقيقية و المتحررة من تقاليد تم تقديسها من طرف ذكور لبسوا الكثير من الأقنعة و لا زالوا يظنون أن المرأة سلعة و محطة للمتعة فقط. و سيظل إصلاح قانون المسطرة المدنية،    و القانون الجنائي،   و قانون المنافسة ،  و القانون العقاري ،  و كافة القوانين  التي تحمي حقوق  المواطن، من أهم مواعيد الدخول السياسي. و سيظل  الأهم  هو  تطبيق  القانون  على  الجميع بشفافية  و من  طرف مؤسسات تحترم الدستور  و الأخلاق  حقوق  الإنسان. و يظل السؤال الجوهري هو صحة  و سلامة الجسم السياسي من الأمراض التي اضعفته منذ سنين خلت. الأمراض تتعلق بالفيروسات التي تسببت في هجمة انتهازية على الممارسة السياسية.  كان البعض يعتبر انفتاح العمل السياسي  على  المجتمع فرصة لإدماج كفاءات شابة،  لكن  الأمر انقلب  إلى  توريث  المناصب أو  التحكم  في آليات  الوصاية على الجيل  الجديد. و أدى  هذا الوضع إلى سيطرة ذوي المصالح  و فقدان الثقة في المؤسسات.  و يظل السبب ظاهر  و بسيط  و لكنه أصبح من مكونات مجال السهل الممتنع. و تشكل هذه الظاهرة ورشا  كبيرا  و مهما للإصلاح.  و لقد بدت تباشير هذا الإصلاح خلال الفترة الأخيرة عبر تفعيل المتابعات القضائية في حق عدد كبير من المشتبه في ارتكاب أفعال تتنافى مع التدبير السليم للمال العام.  و لا يشك أحد في أن هذا المسار الإصلاحي الذي يعطي حمولة ديمقراطية لمبدأ ” ربط المسؤولية بالمحاسبة ” سيستمر بكثير من الإرادة  الملكية الثابتة التي تشكل ملاذ المغاربة. و إصلاح أخلاق دعاة المشاركة في الانتخابات  و الموجودين منذ زمن طويل في كل الأماكن  و الواجهات. و هكذا تحول الكثير من الأحزاب إلى شركات تخصصت في إختيار ذلك الذي يمكن تأهيله لضرب السياسة  و اصابتها في مقتل. و لأن الكثير من أبناء جيلي من الحالمين  و من ذوي القدرة على التمييز بين الفساد  و الصلاح،  فإن  الحلم لا زال ممكنا بوسائل واقعية أولها محاسبة شاملة لكل من دخل الميدان  و اقترف ذنب الاغتناء غير المشروع.