رواية “زهرة اللارنج” للكاتبة حسناء شهابي عن الحسناء القاهرة بالحاءات الثلاث .
عبدالحق ميفراني
صدر حديثا عن منشورات دار التوحيدي، وفي أول إطلالة على المشهد الثقافي، رواية “زهرة اللأرنج” للكاتبة والفاعلة في مجال البيئة المغربية حسناء شهابي. الإصدار، رواية بصيغة المؤنث، والكاتبة امرأة والعنوان “زهرة”. يبدو التأمت نون النسوة في تشكيل نص قامت بإخراجه الكاتبة حسناء شهابي، عن محكيات وأسرار لا تقف عند حدود.. فقط محفل الجسد، يجعل الجميع يدور في حلقة دائرية تبدو أشبه ب”شظايا” قصص.
التقيت بالرواية، وساردتها، صداقة النص، سابقة عن صداقة الكاتبة، وفي هذا سر للحاء الرابعة… ألم تطلب الساردة منا جميعا، قراء على اختلاف مرجعياتنا الجنسية، أن لا نسألها ما المقصود بالحاءات الثلاث (ص180)، هناك وعد من الساردة أن يكون الرد عند نهاية الرواية، ومادمت القارئ هنا، فإني أحتفظ بما فهمته جوابا وإيضاحا لنفسي، لكني سأخبركم، عكسها بالحاء الرابعة.
أفترض عتبة الجواب، من البدء، زهرة اللارنج، نحن أمام كلمة فواحة بعطرها للجميع.. السؤال ومن يسحر ويلهم بعطره الزهرة؟ زهرة دائمة الاخضرار. ومنذ المفتتح ص8، نقرأ دامت لكم لذة القراءة ومتعة الجسد.. هل نحن أمام محفل إيروتيكي؟ هل الرواية أمامنا محفل للجسد والرغبة واللذة؟ كيف يستقيم فعل القراءة بدعوة ايروتيكية مفتوحة، وكوة تنفتح على استلذاذ الحواس، فهل نحن أمام محفل للذة الحواس؟ لا هذا ولا ذاك.. هي سيرة امرأة، أي امرأة، تعيش “زمن الإيدز الثقافي”(ص11)، تود أن “تطلق سراح كل الحروف السجينة في المحبرة.. ثورة الأنوثة” (ص13).
ابنة الحاج الطاهر، زهرة اللارنج، وسيرة حب وخذلان وانكسار وعهر وتمرد واغتصاب واستغلال جنسي وعنف، كل الأساليب التي تجعل من زهرة، حكاية من زمننا عوالم سرية مفتوحة أمام القارئ. لا ننسى أن الساردة تنبهنا منذ البداية، “عذرا إن ظهرت بعض دما الجراح على السطور” (ص17). وتضيف الساردة، أو لعلها كاتمة السر “الحسناء”، “لا تعاتبوا ألم محبرة قلمي” (ص27). في النهاية، نحن أمام رواية “تفكر في صناعة تاريخ جديد يخجل منه التاريخ القديم” (ص33). أي حجل هذا؟ عندما نكون أمام مهرجان البكارة، والاستغلال الجنسي البشع، والإغتصاب الجماعي، وأحاديث النساء عن أسرارهن حيث يصبح جسد المرأة هو آلة التقتيل وهو الفتك وهو السبيل للخلاص.
في نص “زهرة اللارنج” يبدو حضور الرجل، أقرب للمحاكمة، يتجاوز الأمر النظرة الإيروسية ويمتد للنزعة الذكورية والتي ما تنفك تمارس الهتك وأبشع الأساليب للمس بالحق الإنساني (نموذج العربي).. لكن، في زهرة اللارنج، بوشتى والقلعي وسعيد.. صور أخرى لنظرة حالمة، لكنهم جميعهم تحمل الساردة صك قتلهم ووفاتهم جميعا بدون استثناء.. الأول برسالة وهو مجنون بفن الصمت والثاني بالموت والثالث بحادثة سير. جميعهم فكوا شفرات الجسد، واستطاعوا أن يصلوا لحوار فعال وخلاق مع جسد زهرة، حيث أصبحت الرائحة عطر متبادل، كل يسعى للآخر ليفك طلاسيمه.
من هي زهرة اللارنج؟ هي لا تخشى الجنون، لكنها تخشى ناصية الوداع (ص80)، ومن لم يتذوق زهرة اللارنج لن يعرف فاكهة الجنة (ص83)، حيث الجنس سمفونية الأرواح (ص87)، هي زهرة الأشجار وزهرة الغرام وزهرة الأحرار، الحسناء القاهرة بالحاءات الثلاث (ص180)، دعوني أتواطئ مع الساردة وندع لكم الحاءات لمتعة القراءة. في النهاية، نحن أمام امرأة تساق للزواج إكراها، لمحفل التعذيب وبعد طلاقها تعيش حكايات حب، تنتهي جميعها بالموت، لتظل هي “سجينة زنزانة ذاكرتها المغلقة، إلا أنها ثارت وانتفضت بسلاح رصاص القلم” (ص182)، ومن صاحبه، حسناء شهابي.
لنغير الأدوار إذن، لما تصر حسناء شهابي أن تكتب سيرة امرأة في أول نص إبداعي في تجربتها؟ ما الذي يجعل من النص، وهو خاص بقراء دون غيرهم، أن يتحول لرسالة ثانية بعد رسالة بوشتى، أي تصبح حسناء شهابي مكلفة بقراءة رسالة زهرة اللارنج؟ الأمر يفترض ربما أن تكون زهرة، امتدادا من شخصية ورقية على البياض، امرأة وكثلة اجتماعية ليس غريبة عنا بالمرة، لكنها عنوان عريض لضرورة مراجعة اكليشيهاتنا ووعينا على المرأة في الواقع.
القلم هو الوحيد الذي يجعل المرء يلمس جراحه دون أن يتألم؟ (ص183)، لكن كيف يمكن ترميم الخراب؟ هل أمكن للساردة أن تحرر زهرة من سجن ذاكرتها؟ هل ساعدتها على الثورة وأن تنتفض بسلاح رصاص القلم (ص182). لا هذا ولا ذاك أيضا، وكأننا أمام دائرة مغلقة. بوشتى والضابط والقلعي وسعيد وزهرة، بدون موعد قبلي، تقرر الكاتبة أن تضبط سيناريو اللقاء وتعد تفاصيله وإضاءته، كل شيء كان معدا لمحفل خاص رقصة العشق، هل فعلا للعشق رقصة؟ أم أننا كنا في مزيج اختلاط اللذة وسحر الجسد؟ كل شيء يبدأ وينتهي في حينه، بعد الموت يأتي العشق مجددا، في طائرة أو في مقهى أو على هايضورة، وكل شيء يبدأ في محفل ثورة الأنوثة (ص13)؟ و زهرة تصبح “رونجتي وغنوجتي”.. وهكذا دواليك..
لسنا أمام خطاب حقوقي، وهو غائب في النص، بقدر ما يصبح النص الروائي يؤشر التباسا، أفترض الى عنصرين متضادين. عن المتعة واللذة والرغبة وحمى الغرق في الجسد، وعن القهر والكبث والاستغلال والاغتصاب والخيانة. كل شيء يجعل من زهرة اللارنج، الزهرة والشجرة المتفرعة في السماء، والمرأة التي كبرت بسرعة حين اغتصبت أحلامها، والعاشقة الولهانة، والمولعة بمقامات اللذة، أن تصير ..
حياة مغتصبة، بإرادة مجتمع ذكوري، حياتها قصة ورحيلها سر الحكاية (ص182)
حب مؤجل دفين، لاهو قادر على إكمال “رقصة العشق” (ص181)
حرف أول من “حسناء”، اقترضته لشخصية، مكررة، تريد من خلالها أن تدين “ماعمر ولد موكة مايصير كيف الطير الحر” (ص171).
هي حروف ثلاث أولية، في ورقة تقديمية، في حفل احتفائي بنص ابداعي جديد.. آه نسيت الحرف الرابع، سعيد (أحد شخصيات الرواية) “حارس على روح زهرة اللارنج”، الحرف الأخير جسر تحته نهر أبي رقراق، (ص128)، وسر المرأة أن تكون غامضة (ص92).. فمن ترى حارس على روح الكاتبة حسناء شهابي؟
الحاء الرابعة “جفت المحبرة فثارت الحروف دون الرجوع الى السطر” (ص184)، آخر جملة في الرواية، آخر جملة في ورقتي..
——————————————————
هامش:
ألقيت هذه الورقة، يوم الأربعاء 30 مارس 2022 في احتفاء بالإصدار احتضنته مكتبة les étoiles (الرباط)، وحضره جمهور غفير، في استعادة لدفء اللقاءات الثقافية، الى جانب الكاتبة حسناء شهابي والشاعرة ريحانة بشير.