إدريس الأندلسي
كم هو جميل أن يتحول الإعلام الاجتماعي إلى الفعل اليومي في الواقع المغربي، كثرت المواقع الاجتماعية في بلادنا وأصبحت حاضرة في يومنا وفي حينا وفي افراحنا واطراحنا، لكن جلها لا زال بعيدا عن الأخلاق وعن المهنية وكثيرا عن الإعلام. أزمة الطفل ريان حولتها بعض القنوات إلى استجداء ” اللايكات ” التي تذر ربحا سريعا على من لا مهنة لهم سوى الجري وراء صورة وحدث أو لا حدث.
أصبح رواد بعض المواقع مثل ” الفراشة ” الذين يريدون بيع اي شيء ولو على قارعة الخطأ. من المضحك المبكي أن تسمع أميين يشترون كاميرا ويعلقون بشكل هيستيري وبعيدا عن القواعد المهنية والأخلاقية وبالطبع بعيدا عن القواعد اللغوية البسيطة نطقا واعرابا. قليلة هي المواقع التي تشتغل بالمهنية المطلوبة والتي يضم فريقها صحافيون مهنيون وحتى مصححون لغويون. وواقع هذه المهنة الصعبة أصبح يتطلب كثيرا من الفعل الحكومي لحماية المهنيين من المتطفلين وحماية الفكر والمجهود من جهل الجاهلين. وقد يتساءل الكثير عن الجدوى من المجلس الأعلى للصحافة إذا لم يتمكن من حماية الصحافي والصحافة من بعض المتسولين، ولا أقصد المحتاجين، إلى استغلال فجوات قانونية لكي يفتحوا دكاكين لا علاقة لها بعالم علم الصحافة.
لا حرية لتعبير لمن يقتحم مهنة تتطلب التكوين الجامعي والاختصاص ويستغل الفرصة لتشويه حرية التعبير. سميتهم “فراشة” لكونهم يستغلون الفضاء العام لنشر سموم وجهل وفي بعض الأحيان الاتجار بهموم الناس والحصول على أرباح مالية. الأخلاق لديم مجرد يافطة والسعي إلى ملفات الفضائح التي يتم تسخيرهم لها، مناسبة للحصول على المنافع المادية.
منذ سنين لم أعد أقدم ملفا للحصول على بطاقة صحافي. أخجل وكم من مرة خجلت من حضور اميين في ندوات تتطلب التخصص والكثير من الاطلاع الذي تتطلبه مهنة المتاعب. الأمور المالية والاقتصادية تتطلب،على سبيل المثال، مستوى مقبولا لفهم ما يجري. كم ضحك بعض المسؤولين أمام صراع وضع الميكروفونات على طاولة صغيرة تهاوت من تعددها في ندوات في بنك المغرب أو في وزارة المالية وغيرها. وكم ضحك المسؤولون من واضعي أسئلة خارجة عن الموضوع. ولهذا كنت أقدر وأتفهم قرار بعض المؤسسات الاقتصادية والمالية بتوجيه دعوة حضور ندوة إلى عدد محدود من الصحافيين. من لا يفرق بين ميزان تجاري وميزان اداءات وميزان جاري وعجز كلي ويحضر ندوة عن التوازنات الماكرواقتصادية، أحسبه ” كما قال إخواننا المصريون ” كالاطرش في الزفة “.
كل هذا لا يعني أن أجهزة الإعلام الرسمية وشبة الرسمية تمثل حقيقة المشهد الإعلامي. الوضع معقد وفيه كثير من عدم الوضوح. المجلس الأعلى للصحافة عليه واجب الإصلاح وإعادة تأسيس الثوابت. والا.. فغدا قد تغيب الصحافة المهنية ويكون المجلس تحت سيطرة الفراشين في شارع هذه الصحافة. والبئر التي اعتقلت الطفل ريان قد تعتقل ما تبقى من مهنة الصحافة التي تتبرأ من هجوم المتطفلين. قليلة هي المواقع التي تطرقت للمجهودات التي قامت بها الدولة بتوجيهات من عاهل البلاد في إطار الصراع مع الزمن بكل الوسائل اللوجيستيكية. وكثيرة هي المواقع التي ركزت على إثارة المشاعر بلغة بسيطة تتخللها بين الحين والآخر، طلبات استجداء للانتماء إلى الموقع .
أبانت بلادنا عن إرادة قوية في إنجاح عملية خارقة لانقاد الطفل ريان وهذا مبعث فخر للجميع من داخل وخارج المغرب. كثيرة هن المواطنات وكثير هم المواطنون الذين لم يذوقوا طعم النوم خلال أزمة ريان وكثير هم أولئك الذين سارعوا إلى استغلال مأساة من أجل ربح سريع. لكل هذا يجب تحصين مهنة الصحافة من لهو كل ممتلك لهاتف ذكي يجري وراء ربح سريع ولو بتصوير أجزاء حساسة من جسم قريباته. كفى من توزيع بطاقات الصحفي دون شرط تقديم ملف مهني يضم حصيلة سنة من الأعمال الصحافية المهنية التي تم إنجازها من طرف طالب البطاقة .