*العلمي الحروني
أثار رفض قبول الدولة المغربية لعرض الدولة الفرنسية تقديم مساعداتها لضحايا زلزال 8 شتنبر 2023 الذي ضرب حوز مراكش ومناطق واسعة من الأطلس الكبير وسفوحه، الكثير من الجدل.
بدءًا، وللمساهمة برأي في هذا الموضوع، وجب التأكيد على أن علاقات الدول قاعدتها المصالح، مصالح الشعوب و مصالح/هواجس الحاكمين.
من زاوية الحاكمين، لا يختلف اثنان عن كون الفرانكفونيين الذين كونتهم فرنسا قبل وبعد استقلال 1956 الشكلي هم من يدبرون شؤون البلاد الاقتصادية والسياسية والإدارية والثقافية والتربوية على حد سواء، فهم ظل فرنسا ببلادنا، تلامذتها النجباء، المتشبعون بثقافتها وفكرها التي يستلهمون منها سبل التدبير الإداري والاقتصادي وشؤون السياسة بشكل عام.
ليس هذا فقط ، بل إن رأسمال الحاكمين الفرنكونيين مرتبط بشكل وثيق برأسمال البورجوازية الفرنسية، وأموالهم تتواجد في البنوك الفرنسية أكثر من غيرها.
فهم بالأساس صناعة خالصة قحة لفرنسا، ولا يمكن أن يكونوا إلا موالين لها وحماة مصالحها لأنها من مصالحهم الذاتية، بل هم شركاء الصفقات المختلفة بين البلدين. ومن السذاجة، إن لم نقل من الغباء نكران ذلك لتبرير مواقف معارضة للنظام السياسي التسلطي.
وخير دليل على ذلك، “لائحة ماكرون من الحكام الفرنكفونيين الفاسدين” التي أشهرها في وجههم والتلويح بنشرها لفضحهم أمام الشعب المغربي كمحاولة للضغط عليهم وابتزازهم، سعيا منه لتحقيق المزيد من المكاسب لفرنسا الاستعمارية سواء ببلدنا أو عبره بدول جنوب الصحراء والساحل. علما أنه لن يفعل ذلك البتة.
ومن البلادة الدفاع عن فرنسا بدعوى تواجد جالية مغربية مقيمة بها، من طلبة تختار منهم فرنسا بمعاييرها الانتقائية المصلحية المتفوقين في مسارهم الدراسي بالمدارس العمومية المغربية منها و الخصوصية، لتصنع منهم أطرا تقنية عالية في الهندسة والطب والمعلوميات والتسيير من جهة أولى، كما تفتح أبوابها للمغاربة والمغاربيين لهجرة الأدمغة للعمل بفرنسا بأجور لا تتناسب ومؤهلاتهم ومردوديتهم وتستغلهم كطبقة عاملة مهندسة أيما استغلال. ففرنسا لا تقبل على أراضيها سوى من لها المصلحة في خدماتهم لملء الخصاص القائم وليس لسواد عيونهم.
وبالمناسبة، وجب التذكير بشروط “فيليكس مورا” لاستقدام آلاف المغاربة من قرى الأطلس الكبير للعمل بمناجم فرنسا حيث ينتقي مفتولي العضلات بعد فحص أجسادهم بطريقة مهينة للتاكد من قابليتهم وقدرتهم على العمل الشاق في ظروف تفتقد لأدنى شروط السلامة والكرامة، بحقوق وأجور أقل كثيرا من نظرائهم الأوروبيين، والتاريخ يسجل بشاعة الاستغلال الفرنسي لليد العاملة المغربية التي تشتغلت ب “خوذة ومصباح على الرأس” بمناجم الفحم الفرنسي وتأكل خبزا ممزوجا بالفحم.
هؤلاء العمال الذين استنزفوا عضلاتهم المفتولة والطلبة والأطر المتفوقون وأسرهم هم من يشكلون غالبية مغاربة المهجر بفرنسا.
فرنسا ليست دولة صديقة ولا حليفة لبلدنا ولغيره، فهي التي لها المصلحة في تأبيد الاستعمار وتجديده وإطالة أمده وتأبيد الفساد بحمايتها للفرنكفونيين الحاكمين المتسلطين على رقاب شعبنا. أوليست فرنسا من تنهب خيرات المغرب من فوسفاط ومشتقاته ومعادن باطنية واسماك وتتحكم في خدمات شبكات الاتصالات والمواصلات والأبناك والمحروقات ذلك بشراكة ودعم من وكلائها المحليين الفرنكفونيين؟ أليست “الشريك الأول” السبب الرئيس في غلاء أسعار منتجات وخدمات تلك القطاعات؟
ألم تقتطع فرنسا أراضي تعتبر تاريخيا مغربية وتم ضمها للجزائر الشقيقة التي تعتبرها من خلال دستور 1946 للجمهورية الفرنسية الرابعة من الأقاليم الفرنسية الواقعة فيما وراء البحار DROM ؟
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ما الذي يمنع فرنسا حاليا من الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية؟ ولأية مصلحة وجهة تستمر فرنسا في الامتناع من مساندة مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب كحل سياسي للنزاع في الصحراء الغربية، إسوة بموقف دولة اسبانيا المستعمرة سابقا للصحراء المؤيد لهذا المقترح؟
الجواب غير خاف عن كل ذي عقل ومنطق، كون استنكاف فرنسا في التأييد الصريح لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء نابع من حرصها على مصلحتها الاستعمارية ، وستحتفظ بهذا الموقف لابتزاز الحكام الفرنكولونيين ولضمان استمرار مزيد من النهب ومزيد من القهر للشعب المغربي الأبي..
من هذه الزاوية وبهذه الرؤية من حق المغرب عدم قبول عرض دولة فرنسا لمساعدة ضحايا الزلزال وترحيبها بمساعدات المجتمع المدني الفرنسي بما فيه المجتمع المدني للمغاربة المقيمين بالخارج.
العلمي الحروني،
*فاعل سياسي وحقوقي