ولأن الحركات النسائية التحررية، وأدبياتها الجديدة، غذت من أهم حركات الاعتراض على النظام الرأسمالي القائم، فإني أشير في هذا الصدد إلى القيم الروحية والإنسانية التي عبر عنها البيان الشيوعي وهو يرد على الانتقادات التضليلية الموجهة ضد موقف الشيوعية من المرأة ومن الأسرة. وأحسب أن الماركسية والماركسيين هم تحديدا من رفعوا لواء تحرير المرأة ومساواتها المطلقة مع الرجل، وهم، بلا منازع، من دشنوا هذه المعركة، جماهيريا، والتي مازالت متواصلة. قد يعاب على الماركسية أنها مع ذلك، لم تعطل هذه القضية استقلاليتَها الضرورية لربطها التام بتحرر البروليتاريا. وبالتالي اختزلت جميع أبعادها في استلحاق طبقي سياسي. بينما الاستقلالية هي التي أتاحت للحركة النسائية ذاك الحفر النظري الشامل لأوضاع المرأة ولشخصيتها الإنسانية المتميزة، وعلى تنوع مضامينها وسقوفها الأيديولوجية والسياسية. وفي جميع الأحوال تظل الماركسية المنبع الجذري لتحرر المرأة ولامتلاك خصوصيتها وقيمتها الإنسانية.
Å ومن هذا التجريد أيضا، دور البيئة الطبيعية، وبالتالي، العامل الجغرافي، في اختلاف المجتمعات، واختلاف أساليب إنتاجها وتنوع أنظمتها. ولعلنا نتذكر تحليل ماركس لنشوء الرأسمال في بيئة باردة وصقيعية. ولمركزية تنظيم الري في نمط الإنتاج الآسيوي. وأضيف تأثير الموقع الجغرافي للحضارة العربية الإسلامية في مراحل ازدهارها وتدهورها القائمين على التجارة البعيدة. وغيرها الكثير من الأمثلة. المبدأ الماركسي في هذا الشأن، أن العمل البشري والإنتاج المادي يقومان على علاقتين، العلاقة مع البيئة التي هي المصدر الأول للثروات ومادة الشغل من جهة. وعلى العلاقاته البينية الاجتماعية التي وحدها تعطي الإنسان القدرة على التطوير الدائم لوسائل إنتاجه، من جهة ثانية. ولقد تنبعث الماركسية في منطلقها لخطر إهدار واستنزاف موارد البيئة، بدوافع أنانيات الربح الرأسمالي، واصطناع حاجيات لا قعر لها، فكان من أهدافها ما عبر عنه انجلز “بطبعنة الإنسان وأنسنة الطبيعة، حفاظا على هذه الوحدة الجدلية التي تربط الإنسان بالطبيعة، وهو أحد تجلياتها.
ومن البديهي أن الخطر الذي يحدق بالبيئة اليوم، هو أكبر بما لا يقاس من الخطر الذي تهددها في الماضي. فالحركات المسماة بالخضر اليوم، باستقلاليتها وأدوارها، وإنتاجاتها الأدبية، واختلافاتها السياسية، إن كانت من أهم الأشكال الجديدة الاعتراضية، فإن هذا التطور لا يمكن بأي حال أن يحسب في خانة الإدانة لضيق الأفق الماركسي. بل ينبغي القول، أن الماركسية تتسع له وتمده بالبعد السياسي الأيديولوجي الجذري.