آخر الأخبار

سبعة رجال بمراكش أبو العباس السبتي ـ 2 ـ

ـ المرحلة الثالثة تكوين المريدين وتربيتهم:  يكتنف الغموض ظروف دخول  أبي العباس لمراكش  وقطع خلوته الطويلة، رغم أن المصادر التاريخية تشير إلى أن ذلك تم على عهد المنصور،  إلى أن  الاختلاف واقع في التاريخ والسبب: حيث يشير البعض  إلى أن وصول أخبار  كرامات أبي العباس بعد نزوله على جبل جيليز، جعل المنصور واعيان المدينة يطلعون إليه للتبرك،  ودعاه الخليفة إلى  الإقامة  بالمدينة وحبس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى، ولعل ذلك قد تم في بداية حكم المنصور،  فيكون  السبتي قد قضى ـ  كما في المصادر ـ  أربعين عاما في الخلوة  من أربعين إلى ثمانين وخمسمائة ، وهذه المرحلة من أخصب مراحل حياة أبي العباس، ففيها تم نشر مذهبه على نطـاق واسع اذ كان  يطوف  بنفسه في الاسواق و يحث الناس على الصدقة وعلى المتاجرة مع الله درهم  يساوي عشرة)  ـ  كما يقول  ـ   وفيها  كون الشيخ  أسرته  فقد أعطاه المنصور دارا بأحواز جامع الكتبيين فندق  مقبل  بحي  أكادير)  فتزوج وأنجب عددا من الأولاد ذكورا وإناثا، وفي مذهبه كان سند أبي العباس  يرتفع  في  الطريقة إلى الأقطاب، الغزالي الجيلاني،  أبي يعزى بواسطة سندين:  عن أبي عبد الله الفخار  شيخه  بسبتة عن القاضي عياض/  عن أبي بكر بن العربي/عن الغزالي  وأبي يعزى،  عن أبي  عبد  الله  الفخار / عن القاضي عياض/  عن أبي عبد الله الصدفي/ عن عبد القادرالجيلاني، ومع أخذه  عن  هؤلاء  الشيوخ  يبقى مذهبه القائم على الصدقة متميزا:  فأبو يعزى وان اشتهر بتوزيع تسعة أعشار  من زرعه  و الاكتفاء بالعشر، فان الأمر لم يصبح عنده مذهبا ينظر له،  وينذر حياته لتطبيقه،  وترجع الروايات جذور هذا المذهب إلى طفولة أبى العباس، عندما سال شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى: “ان الله يامر بالعدل والاحسان”.   واكتملت معالمه أثناء خلوته  الطويلة  في جبل جيليز حيث كان كثير  التدبر في  القرآن  الكريم،والعدل : عنده هو المشاطرة،  وقد علم الرسول المسلمين مفهوما عندما  آخى بين المهاجرين  والأنصار،وشاطر الانصار المهاجرين،  فعقد السبتي مع الله  ألا يأتيه شيء  إلا شاطره إخوانه المؤمنين من الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة، يتصدق بنصف ما يملك ، من سنة أربعين إلى ستين وخمسمائة،  بعد ذلك عاد للتدبر في الآية، فوجد أن العدل هو الشطر،  وأن الإحسان ما زاد عليه،  إذن فالإحسان  هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني،  فعقد  مع  الله  عقدا آخر يمسك بمقتضاه الثلث ويتصدق بالثلثين،  فعمل بذلك مدة عشرين سنة أخرى، من ستين  إلى  ثمانين وخمسمائة ونتج عن هذا العقد أن مكن الله أبا العباس  بالولاية والعزل في الخلق، ولعل  هذا  ما  قصده ابن عربي عندما قال في الفتوحات المكية ، دخلت مراكش فوجدت أبا العباس السبتي  يولي ويعزل ويخفض ويرفع ويعطى ويمنع،  فتمنيت هذا المقام، ولم يقـف أبو العباس عند هذا القـدر  فأراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة،  فقسم ما يأتيه إلى سبعة اقسام :  قسم هو حق النفس،  وقسم  حق الزوجة والأولاد ومن تجب نفقته، كان عددهم اثنين  وثلاثين  شخصا  ويصرف الباقي لمستحقيه،  فأقام على ذلك أربع عشرة سنة، فصار بمقتضاه مجاب الدعاء، وقد سمع ابن رشد  بمذهب أبي العباس  فأرسل أبا القاسم عبد الرحمن ابن إبراهيم الخزرجي من قرطبة ليأتيه بخبره،  ولما اعلمه بما رآه  وسمعه أثناء  مقامه مع السبتي قال ابن رشد ،هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود .