إدريس الأندلسي
يتطور مخزون السدود ببلادنا ببطيء ليتعدى مستوى خمسة مليارات متر مكعب إلى غاية 30 دجنبر أي بنقص بحوالي 500 مليون متر مكعب قبل سنة. الوضع يتحسن و لكنه لا زال مقلقا و خصوصا بالنسبة المناطق التي توجد بها السدود الكبرى التي تزيد قدرتها التخزينية على مليار متر مكعب. الأهم في ظل حياتنا ” المائية” و معطياتها البنيوية هو قدرة الحكومة على ضبط البرامج الاستباقية. كثيرة هي السدود التي أنجزت و تعطلت برامج التجهيزات المائية المرتبطة بها و ضاع معها الوقت و المال و المردودية. تطورت المناطق السقوية منذ الاستقلال و لكننا لم نتجاوز الآمال التي نعلقها منذ السبعينات حيث رفع شعار و هدف مليون هكتار. كان من المفروض أن نتجاوز ثلاثة ملايين هكتار مسقية في هذا الزمن. و المفروض أن يظل الطموح هدفا إستراتيجيا لتغذية أكثر من 40 مليون مغربي دون الخضوع لظروف الخارج. و لنا في تأثير الحرب الروسية- الاوكرانية خير دليل على أهمية إعطاء الأهمية للاكتفاء الذاتي. و لمن يعتبر الأمر ايديولوجيا الرجوع إلى تكلفة فاتورة استيراد القمح حتى نهاية شهر شتنبر لهذه السنة و التي تجاوزت 25 مليار درهم.
لا يمكن أن نختلف على كون طقس بلادنا لا يتيح كثيرا من الارتياح للمسؤول و للفلاح و للمواطن بصفة عامة. نقل عن المارشال اليوطي الذي قيل في دوره الكولونيالي الكثير أن هطول الأمطار جزء كبير جدا من مسؤولية مكونات الحكم أو لنقل استقرار السلطة. بدأ التفكير في سياسة السدود مبكرا خلال الفترة الإستعمارية و الأمر لم يكن اهتماما فوق العادة لتأمين غذاء المغاربة. السياسة الإستعمارية كانت تؤسس لتكوين مصادر تغذية شعب فرنسا أولا. و لهذا سلبت الأراضي و تطور النسيج الكولونيالي ليستولي على الأراضي و المياه في ما سمي بالمغرب النافع . و بالطبع لا يمكن اغفال الصراعات و الاغتيالات التي هدفت إلى قمع دفاع المغاربة عن حقهم في مياه بلادهم. مجزرة بوفكران في ضواحي مكناس كانت إحدى حقائق هذا القمع و ذاك الاستغلال. و توالت الصراعات و توالى بناء بعض السدود ابتداءا من العشرينات من القرن الماضي. و أستمر الإهتمام بسياسة السدود بعد الاستقلال و عرفت زخما مهما خلال فترة حكم الراحل الحسن الثاني. كانت حفلات إطلاق الأشغال و إفتتاح السدود أنشطة ملكية تستقطب الجموع و تغطيها وسائل الإعلام بكثير من الإهتمام.
اليوم يوجد لدى المغرب عشرات السدود تتجاوز قدرتها التخزينية أو ما يسمى بالحقينة 16 مليار متر مكعب. و رغم الإستمرار في بناء السدود لا زلنا نفتقر إلى سياسة مائية حقيقية و لا زالت كميات الأمطار التي تجود بها السماء و لا تصل إلى السدود قليلة. و الأكثر صعوبة على الفهم هو بناء سدود بهدف الري و التأخير الكبير لإنشاء بنيات السقي. و لنافي دراسات أساتذة معهد الحسن الثاني للزراعة كنز كبير من المعطيات. و سنوات قبل رحيله، بين الباحث الكبير بودربالة الأهمية الكبرى التي أعطيت لسياسة السقي و السنين الكثيرة التي مرت بين بناء العديد من السدود و إنجاز تجهيزات السقي. و قد تصل المدة الفاصلة بين تشييد السد و الشروع في أعمال تجهيزات السقي في بعض الأحيان إلى عشر سنوات. و بالطبع يتأثر السد بهذا التأخير و تتقلص حقينته بفعل تراكم ما تحمله الانجرافات من أحجار و اتربة و الأمر خطير حسب ما صرح به بركة في خضم أزمة الماء و تراجع كميات المياه المخزنة. و تصبح كل معدلات المردودية الإقتصادية للإستثمار فيه ضعيفة جدا بالقياس مع دراسات الجدوى قبل الشروع في تنفيذ المشروع. و زاد الطين بلة ضعف التقييم البعدي للمشاريع من طرف المؤسسات التمويلية الدولية و الجهوية. و كل من سيبحث عن تقارير هذا التقييم سيصدم من غيابه شبه التام لدى البنك الدولي على سبيل المثال. و لقد سبق لي أن شاركت ضمن فريق عمل مهني في مجال المراقبة و التقييم في هذا المجال و في فرق أخرى خارج المغرب و تأكدت من ظاهرة عدم الإهتمام بدراسة آثار المشاريع الكبرى في مجال السدود في علاقتها بتطوير التجهيزات السقوية. الدرس المستفاد هو أن أغلب المؤسسات التمويلية الدولية و الجهوية لا يهمها قياس جدوى المشاريع بعد إنجازها. الهدف الرئيسي هو إظهار حجم التمويلات السنوي لهذه المؤسسات دون ذكر الشركات الأوروبية و الأمريكية التي تسند لها صفقات التنفيذ و كفى. و سيجد الباحث في هذا المجال كثيرا من التقارير التي تكثر من وصف مكونات المشاريع و دراسات الجدوى و التنفيذ دون أن تهتم بمردوديتها الحقيقية. الماء مورد حياة قدسته كل الديانات و اهتمت به كل الأنظمة السياسية و نسجت حوله الأساطير و لكن تدبيره يحتاج إلى الكثير من الواقعية. لكل هذا ستظل قضية أو إشكالية أو راهنية المسألة المائية تحظى بالاهتمام مدى الحياة. و سيظل الكلام عن الماء إستراتيجيا يحتاج إلى القرار السياسي و المشورة المهنية و التوزيع العادل. لا يهم أن نبني سدا لسقي أراض تنتج لتصدير خضر و فواكه لسوق أجنبية و لكن لتنتج أولا و أخيرا و دائما خيرات تستجيب لحاجيات المواطن المغربي. لا للبطيخ الأحمر و الأصفر طوال السنة و لا لفاكهة الافوكادو على حساب قوت المواطن و لا لتصدير مياهنا و جودة تربتنا. و لا لكل سياسة فلاحية لا تحقق معدلات كبيرة في الاستجابة لحاجيات السوق المحلية.