إدريس الأندلسي
زادت الحكومة 10 دراهم في سعر قنينة غاز البوتان من فئة 12 كيلوغرام. وجبت الإشارة إلى أن آخر زيادة في السعر ترجع إلى سنة 1990. تبين آخر المعطيات الواردة في تقرير المقاصة، الذي صاحب مشروع قانون المالية لسنة 2024 ،أن تحملات الميزانية الخاصة بدعم الغاز وصلت إلى حوالي 22 مليار درهم عند متم سنة 2022. و وجب الايضاح أن هذا المبلغ يضم السعر الشامل لسعر الاستيراد زائدا كثيرا من الضرائب الخاصة على الاستيراد و القيمة المضافة و غيرها.
عشنا لعقود مع أزمات متتالية عرفتها سياسة المقاصة ببلادنا. تكلمت الكثير من الحكومات عن الموضوع بكثير من الحذر السياساوي. الأمر و ما فيه أن ميزانية البلاد تتحمل عبئا ماليا كبيرا لكي يستمر دعم مواد غذائية و طاقية لكي تحافظ على قدرة شرائية لمن توجد قدراتهم في حافة الامتناع الاضطراري على استهلاك مواد بسبب الغلاء. يتجسد مشكل المقاصة في دعمه لفءات إجتماعية لها موارد مالية أكبر بكثير ممن يستحقون الدعم. بدأ الأمر المتعلق بعقلنة الدعم بما سمي بالمقايسة بالنسبة لأسعار المحروقات قبل سنة 2014. إرتفعت آنذاك فاتورة صندوق المقاصة لتقترب من 60 مليار درهم. و تم الحفاظ على الدعم نظرا للوضع الإجتماعي الذي لم يكن ليتحمل قرارات تزيد من هشاشة القدرة الشرائية للمواطن العادي و من حرمان طبقة غنية تعيش على الهدايا الجباءية و على الدعم و الريع.
بدأ القرار بالتخفيف عبر ما سمي بالمقايسة، و هو ما يعني وضع حد أقصى لسعر اللتر من البنزين الذي يمكن دعمه. و توقف الأمر عند هذا الحد. و هكذا، و بعد انتهاء فترة حكومة إدريس جطو، وصل عبد الإله بن كيران حاملا معه الكثير من الوعود التي تهدف إلى وضع سياسة للاستهداف الإجتماعي حتى لا يستفيد الأغنياء من المقاصة. و زاد في شرح برنامجه السياسي محورا يتعلق بالدعم المباشر للأسر عبر عدة صناديق إجتماعية. و أدت التركيبة غير المتجانسة للحكومة إلى تجميد سياسة الاستهداف. و ركب بن كيران قطار التقنوقراط الملح على ضبط التوازنات المالية. و دافع على ضرورة تخفيض تحملات صندوق المقاصة معتمدا على تفعيل آلية المقايسة في مجال المحروقات. كان الرجل ” نية ” رغم محيط يضم مستشارين و وزراء لا يفقهون في ضبط لغة المصالح و السيطرة على دواليب القرار. و هكذا صنعت حكومة اخنوش خطابا سياسيا يوحي بكونه لم يكن أبدأ طرفا، هو و حزبه، في القرار الإقتصادي و السياسي خلال أكثر من عشر سنوات قبل و بعد وصول حزب العدالة و التنمية إلى رئاسة الحكومة.
تم إتخاذ القرار بزيادة 10 دراهم لاقتناء قارورة الغاز ذات 12 كيلو. و جاءت هذه الزيادة بعد أن تراجعت تحملات المقاصة خلال الشهور الأخيرة. أتذكر نقاشا على راديو مفم مع عبد الإله بن كيران في سنة 2015. أكد الرجل على أن توفير قارورة مجانية كل شهر للأسر ذات الدخل الضعيف لن يزيد من تحملات الميزانية. بل سيخفف الضغط على الاستغلال الجائر للغابات في المناطق الصعبة. و يظهر من خلال هذا الكلام أن المقاصة في مجال دهم الغاز يستفيد منها، و بالأساس، أصحاب الاستغلاليات الفلاحية المتوسطة و الكبرى لتشغيل محركات الآبار، أصحاب المصانع الخاصة بالمواد الغذائية و الكثير من المؤسسات السياحية ، و حتي النوادي الرياضية ذات النجوم الخمسة و غيرها. و تشكل طريقة استهلاك هذه الفئة من الشركات و الاستغلاليات الثقل الأكبر في مجال المقاصة الخاص بدعم غاز البوتان. و للعلم فقد تجاوز الاستهلاك الوطني ( قنينة 12 كيلوغرام)222 مليون قنينة سنة 2021 مقابل 92 مليون قنينة سنة 2002.
يمكن التساؤل عن جدوى هذا القرار و مبرراته. أعتبر بكثير من الواقعية أن الدعم المباشر للأسر يمكن من بلوغ مرحلة متقدمة في مجال الاستهداف الإجتماعي. و يوجد شرط وحيد هو تجويد و ضبط حكامة هذا الاستهداف و نزع أي طابع سياسي أو حزبي عن تدبيره. يجب أن نتوقع زيادة في أسعار سلع منتجين كبار في عدة قطاعات تعودوا على الإستفادة من أموال المقاصة. و تجدر الإشارة أن الأسر المغربية التي تحصل على الحد الأدنى للأجور تخصص ما يناهز 1،4% من دخلها لشراء قنينة غاز، ذلك حسب تقرير وزارة الإقتصاد و المالية حول المقاصة.
الأمر و ما فيه أن الحكومة اختارت فترة تراجع تحملات المقاصة لاسترجاع هامش قد يصل عند نهاية سنة 2024 إلى حوالي 2 مليار درهم أي ما سيعادل حوالي 10% من التحملات الإجمالية لصندوق المقاصة الخاصة بالغاز. و سيظل السؤال هو تأثير هذا القرار على مستوى أسعار المواد الغذائية و كل المنتجات التي كانت تستفيد من دعم المقاصة. و سيترجم السوق رد فعل المستفيدين الفعليين من الدعم و ما سيصحبه من مناورات لإظهار تضرر الفئات الإجتماعية الأكثر هشاشة من قرار حكومي. لا يمكن أن نواجه طفيليي المال العمومي و كل من يعيش في سماء البذخ و الريع إلا بالشفافية و المحاسبة الضريبية و مراقبة بنية الأسعار و سياسة دقيقة الأساليب في مجال الاستهداف الإجتماعي.