آخر الأخبار

سفر بطعم الاعتقال

اسمحوا لي ان اقتبس من تدخل مفتش تربوي ، ولو انني اتحفظ على الاسم لأنني كنت اضع في وثائقي التربوية لفظة ” المؤطر التربوي ” وكثيرا ما تجر علي نقاشات ومواجهات ، لأن لفظة ” المفتش ” استخباراتية لا تليق بالحقل التعليمي ورفعا لقيمته العلمية ، إلا اذا ارتأى من لح بالاحتفاظ باسمه وان مهمته : استنطاق كل المتدخلين بما فيهم المنظومة. فهذا امر اخر غير معني به الان.
قدم السيد المؤطر مداخلته على شكل سفر ومحطات اربع تبدأ بالميثاق الوطني وتنتهي بالرؤية الاستراتيجية وهو ما عبر عنه بأربع مدن من مراكش الى الرباط . و اتساءل لماذا اختيار مدن بعينها وإغفال اخرى ؟
المهم ان اليوم الدراسي جمع طبقا متنوعا من المتدخلين ،يطرح اشكال التنظيم والجمع بين الكم والنوع .رغم ضيق الوقت وسوء تدبيره ، والذي اثر بشكل جلي على نهايته ،كثيرا ما تخوننا اللحظات و النهايات بدليل اننا لا نحتفظ بنفس عدد الحضور الذي انطلق به اللقاء في اوله .اشكالية تدبير الزمن تشخص مدى عجزنا كمؤشر رئيسي في كل المقاربات .ضاع الزمن بين المجاملة والطريقة الكلاسيكية لبعض العروض ، فافتقد اليوم الدراسي جوهره ،لماذا نصر في كل وقت على ضرورة الكلام دون استحضار التراكم ؟،
كثير ما يضيع الوقت بين ارتجال عاطفي مرهون بماضي ووعود وردية غير متأنية وناجعة ومستقرئة لواقعها الحقيقي ، وحين يقع التباعد بين الافكار والمشاريع ومقاربات التنزيل ، نقع ضحية سوء تدبير.
حين انطلقت مشاريع الاصلاح اخذتنا معها كرهائن دون ان نشارك فيها بشكل فعلي ، اننا سافرنا معكم ايها السادة دون ان نختار نوع الوسيلة ،ولا الدرجة ولا نوع الطريق ولا الوجهة ، تمعنون في السرعة احيانا في طرق وعرة بين بنية مهترئة و طريق سيار ، انزلتمونا في محطات لم نستشر فيها كما يفعل بعض سائقي الحافلات طمعا في وجبة مجانية على حساب غلابة انهكم السفر ، كل شيء دبرتموه بشكل منفرد ، وتبنيتم منهجية اسقاط بليدة ، وتتهمون الاخرين بالمشاركة ، فعن أي سفر تتكلمون؟
كنا نتمنى ان يكون سفرا نعد له بشكل جماعي كما كنا نفعل في الطفولة ايام الكشفية ، لكل فرد دوره ، من البداية الى النهاية ، نريده سفرا استكشافيا يميط اللثام عن حقائق هذا الوضع المأساوي لقطاع التعليم ،ونشرك في التشخيص والمنطلقات وتحديد طرق العلاج ، لا ان تطلبوا منا ان نبكي واقعا انتم من افشله .فإذا كان سفرا سياحيا بالنسبة اليكم ومن مواقع مسؤولياتكم ، فهو بالنسبة الينا اعتقالا ، لأننا اصبحنا رهيني ارادات متقلبة ومزاجية غير منضبطة ، لا تستقر على رأي ، تجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا ونحن نترقب سيل مذكراتكم ومقرراتكم والتي كثيرا ما تكذبها الوقائع .
ان الاشكال الحقيقي الذي تعيشه المنظومة ، هو كيف تحتفظ المشاريع التربوية الطموحة بنجاعاتها من المركز الى الفصل؟
ان الذين يخططون في صالونات مكيفة ، لا يعرفون واقعا صعبا وبيئة شقية للتنزيل لا تعترف بالبرامج والمناهج التي لا تستحضر خصوصية فضاء منسي ، لا يلتفت اليه إلا بعد حدوث ضجة عبر اليوتوب او صور تزرع التفاؤل عبر الفايسبوك ، فنلتقط صورا ، او نشكل لجان تقصي تموت تقاريرها في رفوف النسيان التي اعتراها الصدأ ، الذي يشير بالأصبع الى الاستاذ فقد اخطأ الهدف ، بدليل ان كل الرؤى التي نظرت لمشاريع الاصلاح قد تكون افكارا جيدة فتقع ضحية سوء تأويل ومزاجية مسؤول جهوي وضعف امكانات وسوء تقدير مسؤول اقليمي .
تقلصت مساحات الابداع حتى بدأنا نشاهد مظاهر عفا عنها الدهر من قبيل “التعليمات ” وثقافة ” كوبي كولي ” فينتهي بها المطاف مشوهة ناقصة في الفصل ، ونطالب الاخر بالاجراة مع التكتم على كل ما سبق . انها مقاربة تدليسية ، لا تمتلك الجرأة الكافية من اجل محاسبة الفاعلين الحقيقيين . والذين اصبحت خروقاتهم مطروحة على انظار القضاء ،فان لم تكن تستدعي توضيحا ، فهي بالضرورة تشوش على مسار إصلاح لن يعالجه ميثاق يتيم يضمر في احشائه ادانة شديدة لواقع تدبير لمرحلة سابقة ،الى عهد قريب بعض المسؤولين في وقاحة ينكرونه في نفي قاطع وبمفهوم
” تخراج العينين ” وكأنهم بهذه الطريقة سيقنعوننا انهم صادقين . ونحن مع كامل الاسف نتساءل كيف قبل المسؤولون توقيعه ؟؟؟

ذ ادريس المغلشي