سقطت كل الأغاني الملتزمة من أبراجها العالية ولم تعد تطرب بعض الجهات وعدنا لزمن حين كنا نسمع خلسة الشيخ إمام ومرسيل خليفة وأميمة الخليل وهي تشحن ذواتنا المكلومة التي تحلم وتثوق لمعانقة القدس ذاك المكان المقدس الذي لامحيد للأنفس عنه . لم تعد الكوفية رمزا للنضال بعدما صارت عند البعض للزينة وصور توثق للحظة التباهي والخديعة . وهناك من امتطى صهوتها على دماء الشهداء دون أن يرف له جفن أو تنتابه لحظة خجل .
ما أقصر الزمن وهو يكشف مدى خسة تلك الأوراق المحروقة في آخر لحظة ! لنصل لحقيقة تكشف لنا زمن خيانة عصابة المهرولين نحو التطبيع .
انتهى الكلام ولم تعد تلك الشعارات التي كنا نرددها في شوارع ومحطات ومسيرات نعبر فيها عن لحظة وفاء بين الشعوب الثواقة للحرية بدون تأشيرة ولاحدود تخترق تواطآت الأنظمة وترتفع إلى السماء محلقة وهي تتقاطع في أجواء ملائكية وبترانيم فيروزية لتمتزج مع صوت الثكالى وقد فقدن المعيل وصراخ اليتامى وقد غادرهم دفء البيوت التي أصبحت خرابا من قصف همجي لم يرحم سكينتها وهدوءها وعشقها للحياة . كانت آمنة فحولها العدو إلى دمار شامل . كل هذه الأحداث مجتمعة لم يعد لها صدى في ذاكرة من كان يدعو في بيانه للدعم والمساندة .لقد أخلف موعده مع التاريخ وخان الأمانة .ماكنا نظن أن النهاية ستكون بهذه الدرجة من الانحطاط والدونية والمأساوية وكذلك الحقارة .
ماأفظع أن تقع في ورطة مخجلة تكشف عورتك ! وتمسح بخطوة متهورة غير محسوبة وبجرة واحدة مسارك الطويل الذي قلت عنه ذات مرة وأنت تتباهى في مجلس اختلط فيه الجد بالهزل وعبرت في كثير من المرات على موقفك الذي لايتزحزح أنك مع القضية ومستعد لكل التضحيات ولم يكن يجول بخلدك أنك مهما تعاليت في الخطاب ستضحي في النهاية بكل هذه المواقف في أبشع صورة متدنية نسفت كل هذه الشعارات . كنا نعتقد أن البعض مستعد للتنازل عن بعض الأدوار مقابل مكاسب عابرة ولم نكن نتوقع أن يسقط في فخ أفضع من السابق ويضحي بكل شيءمقابل دور بسيط في صورة أصر الحاكم الأمريكي فيها على تكملة فسيفساء الإهانة في أحضان التطبيع .
لقد أصبحت كل الأوراق مكشوفة بعدما كانت تحت الطاولة ولم يعد هناك مكان للمواربة أو التخفي والتنكر . اكشف عن وجهك الحقيقي أيها المتورط ! وتنازل عن مبادئك في صمت ولا تحاكيني مستقبلا عن شيء اسمه ملف وقضية! لقد تخليت عن دورك وآن لك أن تنزل من مكانك المعلوم دون أن تلتفت قاصدا مصيرك النهائي و الأخير .إنها نهاية مخزية .
في لحظة ارتباك تختلط الاوراق وتصبح الامور اكثر غموضا ويستعصى الحل بعدما تكون القراءة عاجزة عن فك طلاسيم مايجري أمامنا . ونحن مشدوهين من هول الصدمة . هناك من يريد أن يأكل ماشاء من قطع العسل المصفى دون أن يترك فرصة للسعة النحل وهي حيلة بليدة لاتنطل على أحد ولايمكن أن تغنم حلاوة هذا الغذاء المتكامل دون كلفة فالقول المأثور عندنا لم يترك لك فرصة أن تفلت بجلدك
” فلي بغى العسل يصبر لقريص النحل ” لكن في هذه الحالة هي مجموعة من الدبابير التي تؤذي لحد القتل .
هل تعتقد أنك ركبت كل الملفات من أجل مغنم سياسي بدون كلفة .قبح الله السياسة التي تنهي مسارا معينا في مزبلة التاريخ .
ذ ادريس المغلشي .