آخر الأخبار

سقط الأسد ..أي أمل في دولة مدنية

إدريس الأندلسي 

مرت أيام على سقوط الأسد و دخول معارضين دمشق ، بكل تلويناتهم و مسانديهم و مموليهم و مخططي تحركاتهم في هذا الزمن التاريخي متسارع الخطى ، لكي يغيروا واقعا مقيتا دكتاتوريا هيمن على سوريا وعلى كثير من النخب المنافقة . سال لعاب نخبة لحب ثروة اغرتهم بها أنظمة تشتري الضمائر بسهولة. و دخل دولار إلى جيوب عملاء بإسم قومية صدامية أو قذافيه جماهيرية أو شيعية بترولية، و صنع البعض حلما ،و هم في عز اليقظة و الوعي، بأهمية المال في كتابة الوقائع لاحتلال المواقع. انتشى بعض المغفلين بانتصار حققه جمع من الحركات ” الإسلامية ” في زمن قياسي في سوريا. نسي شعب سوريا، كما تنسى شعوب العالم، أن حدث اقتلاع ال الأسد من قصورهم في سوريا لم يكن ليحدث لولا توفير الغطاء اللازم دوليا و إقليميا لشرعتنه. احتفلت أغلب فئات الشعب السوري، و هذا حقهم، و حاولت قلة فهم ما يجري في الكواليس. تكاثرت الصور المنشورة، بسرعة البرق، على الفضاء الأزرق . ازدحام في المسجد الأموي بدمشق و ازدحام سيارات فاخرة في اقبية، قيل أنها توجد في القصر الجمهوري ، و تناثرت فيديوهات على المنصات بحجم كبير . صور قليلة عن إفراغ السجون، رغم أن السجن الأكبر يوجد تحت أحد أفخم الأحياء الدمشقية و هو حي المزة.
سقط الأسد و لا ندري هل سقطت الدولة بين يدي من يريدون اسلمة مجتمع متعدد العقائد و الثقافات و الممارسات الدينية أم بيد من قبلوا دولة مؤسسات و حريات . يتم بث صور عن عمليات إعدام لموالين لنظام الأسد و لمسؤولين عن المعتقلات و بعض الوزارات. ليست هذه الصور، إن كانت حقيقية ، تعبيرا ثوريا عن رغبة في تغيير الأوضاع. قال الشاعر و المفكر ادونيس، و هو العارف بثقل التاريخ و بخطورة الاغتراب المفروض بفعل قرار الدكتاتور، أن تغيير المجتمع أهم من تغيير الحكومات و الأنظمة. ماذا تربح سوريا إذا أعاد أحمد الشرع إنتاج ممارسات القاعدة و داعش و الأسد. عبر السوريون عن رغبتهم في دولة مدنية و قواعد ديمقراطية لبناء غد أفضل. و لا يمكن أن يتم تحرير ضحايا الاعتقال السري و التعسفي من سجون كبيرة جدا و يتم في نفس الوقت تكفير الحرية و الديمقراطية و التعددية الإجتماعية و السياسية و العقائدية.
يصعب تفكيك أدوات صنع اللعبة التي تجري الآن في سوريا. أوروبا و أمريكا و تركيا و بعض الدول العربية و روسيا و الكيان الصهيوني يحيطون بالساحة السورية . رقعة الشطرنج و سبل توطيد أسس التعامل مع قواعد السيطرة على المراحل المقبلة تغلي تحت نار موقدة. لا أحد يضمن حسم الموقف لصالحه. إسرائيل تقصف سوريا ظانة أنها ستتخلص لمدة طويلة من أي خطر قد يأتي من الشام. و لا أحد يضمن دوام الحال الذي يسود الآن. نشر على قنوات عالمية أن أحد القياديين في حركة أحمد الشرع صرح أنهم لا يعادون إسرائيل. تحركت وزارات الخارجية في فرنسا و ألمانيا و غيرها من دول الغرب لكي تستعيد موقعا ضاع منها. و تظل الولايات المتحدة ضابطة إيقاع اللعبة في إطار تفاهمات مع روسيا أساسا. و سيظل ما يسمى ” بالشرق الأوسط الكبير” محط مراقبة خلال الشهور أو السنين القليلة القادمة. اقترب وصول ترامب إلى مكتبه بالبيت الأبيض و هو المعروف بأسلوبه الخاص في التعامل مع ثروات دول الخليج و مشروعه، الذي لم يتخلى عليه، و المرتبط ” بالسلام الإبراهيمي” و ما يقتضيه من مرور إلى درجة أكبر في مجال التطبيع مع إسرائيل و مجرميها. يكاد العاقل من المحللين أن يصبح مشككا في كل الخطابات. أصبحنا أكثر يقينا على أن ما جرى خلال العقدين الأخيرين يؤكد أن الحركات الإسلامية من القاعدة إلى داعش مرورا بالنصرة و غيرها من التيارات الدينية التي تأتيها ملايين الدولارات بلا حساب من جهات يعلمونها جيدا. و تتوفر على كافة أنواع الأسلحة ذات التكلفة الكبيرة دون أن تتوقف آليات المراقبة الأوربية و الأمريكية على مصادر التمويل مستعملة أقنعة تجاهل العارف. و الأغرب أن هذه الحركات تغيب و تصاب بالصمم حين يتعلق الأمر بمصائب الشعب الفلسطيني. لقد بدأت لعبة جديدة بعد تبعات تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 نونبر 2001. سقطت عدة أنظمة عشر سنوات بعد هذا الحدث و لم تهدأ العاصفة. يشهد العالم نهاية أسطورة ” القانون الدولي” و المنظمات الدولية و سيادة المبادئ الإنسانية. آلاف الضحايا من الأطفال و النساء و الشيوخ سقطوا في غزة و لبنان. و كل من شجب الجريمة تذمه منابر مناصري الصهيونية في أوروبا و أمريكا و تتهمه بمعاداة السامية و لو كان ” ساميا”. سيستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات في ظل حياد سلبي لجزء كبير من العالم و خصوصا في كبريات دول آسيا. الأمر فيه ما فيه من حسابات كبرى و عدم الكشف عن ما ينتظر هذا العالم المليء بأدوات تدميره. و سيظل الشعب السوري ينتظر الانعتاق من ديكتاتورية لم تمت بعد. لا زال أحمد الشرع قليل الكلام و شحيحا في تعبيره عن تصوراته ، و تصورات من فتحوا له طريق الحكم، في مجال شكل الدولة و دستورها. إذا لم تكن دولة مدنية ديمقراطية ، فعلى الشرق السلام.