محمد خلوقي
(سيزيف )الغربي يختلف عن (سيزيف) العربي ، فالأول قَبْل صعوده الى قمة جبل الاختبار ، وجد حوله محيطا يقوِّي عزيمته، ويُعلى من هِمته، ويدفع به الى تحقيق النجاح والتحدي ، وأثناء سيره حاملًا صخرة طموحاته بكل مصاعبها ومتاعبها ، كان يجد في طريقه الوعر محطات متعددة يرتاح عندها، ثم يواصل الصعود ، وبين كل محطة وأخرى يلاحظ ، سيزيف الغربي ، أن وزن الصخرة في تناقص، فيزداد إصراره على حملها ومواصلة رحلته الشاقة بثقة واصرار كبيرين ،لينال بذاك ، شرف الإنسان القوي والمميز 🙁 السوبرمان ) superman .
– أما (سيزيف )العربي فرحلته طويلة ومريرة ،يجابه فيها قدره بمفرده ، فلا يجد من حوله سوى وديان غائرة ،وهضاب وشعاب متقاربة، وكلاب وضباع مفترسة ضارية ،و أنياب من صخور متراكمة ، وصُكوك قهر خبيثة ،مغروسة عبر ارجاء هذا الفضاء المظلم والقاحل ،وقد شُدَّت اوراقها بأسلاك حديدية على أسِنَّةِ من سيوف و رماح ممشوقة ومسمومة ، و سُطرت فوقها بنودوشروط تقضي بان يصعد هذا المواطن المقهور قمة جبل الاختبار ، ويَحمل جلمودَ صخر ،منظره مخيف ،وشكله فريد ،ووزنه أثقل من الحديد..كل هذا كي ينال ذاك الشرف الوضيع والوسام الرقيع الذي يخصصه بالمواطن/ الرعية بمرتبة قريبة من الحيوان.
ورغم دناءة التوصيف ،و قساوة الاختبار ، يستجيب (سيزيف )العربي ، ويجابه قدره ، ويَتحمَّل ويحمل صخره ، ويصعد به إلى اعلى نقطة في قمة جبل القهر .. يعاني وهو يصعد حافي القدمين ..عاري المنكبين .. موزعًا حمله المضني ؛ثارة فوق ظهره ،وثارة على كتفيه ، وثارة أخرى فوق رأسه الصغير ..وكلما قطع شوطا رفع بصره ليجد ان بلوغ القمة لا زال بعيدا وصعب المنال ..فيُقوِّي نفسه بنفسه. ويداعبها بالتمني ، وأحيانًا يضع الصخرة ، ويأخذ قسطًا من النوم ليستدعي ولو مشهدًا خافتًا من احلام وردية قد تساعده على ان يرتاح من صعوبة ومشقة الحمل والسير .. ويقرر المسكين بعد لحظات الاستراحة الا يُتعب النفس بطول النظر الى تلك القمة الشاهقة .. فيكتفي فقط بتدبير جهده ، وتيسير أمره في عملية الحمل والسير ..
و هكذا يستكمل الصعود لنيل الموعود ،لكنه كان يشعر -بين كل شوط وآخر – ان وزن الصخرة وسخونتها في تزايد ملحوظ عما كانت عليه لحظة الانطلاق ، فيتعجب دون ان يفهم السبب ، ويواصل السير دون عتب ، وهو لا يدري ان هناك أطرافا خفية وغير مرئية تتسلل ليلًا و نهارًا وخاصة وقت نومه لتطلي وجه الصخرة بمواد وازنة وساخنة ..حتى تثنيه عن مواصلة السير ، لم ينتبه ان هناك كائنات بشرية تتعقبه وتسترخص فيه حتى ذاك الاستحقاق الحيواني.. ودون شك أو ادنى اتهام لاحد ..ينهض ويستجمع انفاسه ويستأنف رحلة العذاب .
هكذا هو حال ومآل (سيزيف) العربي ، لم يعد يجابه ثِقْل تلك الصخرة التي فرض عليه حملها ، بل عليه ان يتحمل معها خبث أخطاء بشرية من شياطين الإنس ، على اختلاف طبقاتهم ومهماتهم ومناصبهم ، و الذين يثقلون ظهره بأحمال إضافية ليس له بها علم من قبل ولا من بعد .
ما الفارق بين السيزيفين ؟؟!!
الفارق واضح وبين ، ذلك ان (السيزيف) الغربي حَمَل وتحمَّل حتى وصل إلى قمة جبل الاختبار ، بمساعدة من وضعوا له هذا الاختبار .
اما وضع السيزيف العربي المقهور فهو مكابدة فردية متواصلة لصخرة وزنها يتثاقل ، وعذاب حملها يتواصل ، ونهاية الرحلة غامضة ..والعراقيل والدسائس من حوله لا تنتهي ، مما يعطل لحظة خلاصه ، و يطيل رحلة عذابه.
هوامش :
*(سيزيف ) هي أسطورة يونانية تتحدث عن محارب بارع وماهر يتميز بالمكر والدهاء وهو ابن ايولوس اله الرياح، وسيزيف كان ملكًا علي سيلينا وقد ارتكب من الافعال ما اغضب عليه الهة الاوليمب ، لذا تعرض لاقسي واعنف انواع العقاب الصارم ، فقد اجبره زيوس علي ان يدحرج صخره عملاقه الي قمة جبل ، وما ان يصل الي قمته حتي تنحدر منه الصخرة مره اخري وتسقط الي اسفل عند سفح الجبل ، فيعود مرة اخري لدحرجتها الي قمة الجبل ، وما ان يصل الي قمته حتي تنحدر مره اخري لاسفل ، وهكذا يظل سيزيف في هذا العذاب الابدي .