نزلت في اتجاه المقهى في ركن الشارع الراقي. تسير الهوينى بالكعب العالي في ممر الاسفلت والديكور الخرافي يحيط بكل مكان ، انوار مصابيح تتلالا على اشجار صغيرة الحجم لم تتاثر بعوامل الطبيعة. خرير مياه نافورة تتوسط البهو مع موسيقى هادئة يضفي رونقا وهدوءا على المكان، روعة وسحر ، على الباب شاب مفتول العضلات يرتدي لباس حرس اسود زاده هيبة ، طاطا راسه بنصف ابتسامة مرحبا ففتح الباب بتادب شديد فدلفت القاعة وهي تتمايل منتشية بمكالمة قادمة من خارج البلد بها خليط من الكلام، في الحوار مفردات انجليزية واخرى فرنسية تمر بسلاسة وسهولة مكسوة بغنج انثوي ساحر ،انزوت في ركن من المقهى بعيدا على الانظار تنتظر . واطراف اصابعها تتناوب في قرع الطاولة تعبيرا عن توثر وقلق شديدين. ترقب بعينين جاحظتين مدخل المقهى لعل القادم ياتي. تناولت سيجارتها المفضلة وهي تدخن بشراهة، تعيد المكالمة لمرات عديدة ، من يراها من بعيد يحسبها في وضعية قلقة وتوثر غير عادي انها تنتظر موعدا وامرا بالغ الاهمية ، اتجه النادل نحوها بعد وقت وجيز ليلبي طلبها كالمعتاد فنجان قهوة سوداء ايطالية ،
انفرجت اساريرها بعد رؤية القادم المتجه نحوها مرفوقا بثلاثة اشخاص يحملون محفظات انيقة. تبادلت التحية مع الجميع وبدات بالنقاش بعد الترحيب. وهي تسال مجموعة من الاسئلة بالتوالي دون توقف. اين وصلت الامور ؟
هل اعددتم الملف ؟
هل تم توقيع والتصديق على كل الوثائق ؟
رد عليها احدهم بلطف : نعم سيدتي لقد اكتمل الملف وننتظر موافقتكم من اجل وضعه لنيل التزكية السياسية من اجل الترشح للانتخابات المقبلة.
اطمئني سيدتي فالامور تسير على مايرام فلا تفصلنا على العملية سوى ايام معدودة وتتوصلين بالموافقة والوصل على حد سواء.
ردت بلطف على المكلف بمعية فريقه : بارك الله فيكم ومشكورين على المجهود.
غادروا المكان بعد توجيه التحية لها في انحناءة تعبر عن شديد التادب والطاعة بعدما تلقوا اشارة بالانصراف.
دخلت في حوار داخلي و بدات تعزز من مقومات شحنة التحدي بداخلها في مناجاة قصيرة . وهي التي تعرف ان كل النجاحات تبدا بخطوة اولى فكثير من المحطات بدات بنفس السؤال.
مالك وهم السياسة فانت في نعيم ولاينقصك اي شيء ؟
جاءها الجواب : السياسة هي الحصن الاخير لتامين الثروة لانك في بلد تستثمرين فيه مالك في السياسة لتحقق به غايتين او هدفين هامين :
الاول : تامين الثروة بالمنصب والعلاقات لانك تصبح شخصية عامة.
الثاني : تواكب كل الاجراءات والقرارات والامتيازات التي تخدم ثروثك مادمت في بلد لا مكان فيه للاطر والكفاءات.
مقطع من الكلمات تاتي على شكل صدى يتردد دون توقف و توخز كالابر وتمر عبر طيف كشريط يحدث لها دوار وارتجاجا تقع من خلاله مغمية على الارض نوبات صرع من ضغط السؤال وغياب الجواب. وحيرة الموقف التي تجعلك ترجع بذاكرتك لحالة من المعاناة لماضي مهما حاولت نسيانه ،
الجاه والثروة والمال لاتلغي احساسك بالنقص الذي لايفارقك. فكيف السبيل مهما اختلقت مشاريع للتناسي والانشغال، شامة عانت من القساوة رغم كل مظاهر الجاه التي تبدو على طريقة عيشها. انه احساس مهما حاولت اخفاءه اوكثمانه. فقد فقدت دفء الاسرة والبلدة . انه حنين صعب التحقق مهما بلغنا. وضياع مزدوج مؤرق ومكلف .
ذ ادريس المغلشي.