هناك من يتبنى التدافع كمقاربة وهو لايدري أنه يمارس نقيضه وهناك من يرفعه و يلوح به شعارا وهو يمارس التدليس والتشويه تنزيلا وتطبيقا ومناورة. لأنه غير قادر على المنافسة ،فعديم الكفاءة لايعترف بتواضع إمكانياته فليجأ لهذه الطريقة البئيسة من أجل السطو على مكان مستحق لخصمه. إنهم عشاق المناصب حد الموت الذين لا يجيدون سوى الإنقلابات . يعتقدون أنهم وجدوا لكي يمارسوا شطحاتهم المجندلة بدون فكر ولارزانة. فكيف ندعي التدافع ونحن نمارس التنازع في أوضح صوره.
من يتأمل العنوان من حيث المبنى في صياغته التي تأتي بدون استئذان وهي جاهزة تقابل الكلمتين المتضادتين لهما من الأثر في واقعنا المعيش الشيء الكثير. تستطيع وضعهما في أي سياق فيأخذا كل المعاني ، تحمل كلمة من العنوان حمولة مشحونة بالصراع ونزعة البقاء برغبة جامحة وقد تتحول لنزعة قاتلة همها الوحيد الأنا بينما تقطف الأخرى رياحين المسرات لتضعها إكليلا على صدر المسؤول النزيه الكفء الذي يسير بخطى ثابثة نحو الهدف دون أن يشوش عليه صياح الرعاع ولا زغردات بعض المتطفلات اللواتي ينتظرن المقابل كفتات الموائد .
لقد جاء الكلام مسترسلا دون تكلف يرتق أحداثا تركت وقعا مأساويا لايمكن تجاوزه ليس هو سجع اقتضته كتابة عابرة ولاهو تنميق يستدرج هواة القراءة ولا حرفة يتباهى بها الكاتب ليتطاول بها على فضول القراء ،خصوصا الأوفياء منهم الذين دأبوا منذ مدة وهم يطالعون في موعدهم العادي دون إخبار أو انذار. ليسوا متلصصين يرقبون بأعين جاحظة ردة الفعل كما يفعل البعض ممن تقلقهم الكلمة ويتوجسون خيفة لأنهم يعلمون حقيقة أن مايقال فعلا يصف بعض وقاحتهم وقذارات تصرفاتهم بل يفضحها دون تردد ولا توقف. وبالجرأة المطلوبة لأن مانكتب ليس له مقابل سوى الوفاء وقول الحقيقة وهو الرصيد الأوحد للإستمرار. وضمان البقاء .
التدافع فرصة لرهان الكفاءة ومجال للنزاهة أن تقول كلمتها وبالبند العريض كما يقال. إنها مجال لإبراز كل مقومات الشخصية القوية لتنحني لها الإعترافات مفسحة لها المجال لتمتطي صهوة القيادة دون تزوير ولا تلفيق. تفرض شخصيتها بتميزها وحضورها في الساحة واعية براهنية اللحظة ومستوعبة لها ،متفاعلة مع الكل بدون انتقاء ولاتحيز ولا تزوير. الكل يسعى للعمل إلى جنبها لأنهم يعلمون جيدا أن بمعيتها سيجنون ثمار التفوق ويعتلون سلم المجد ،كل المؤشرات تفيد أن كل لحظة معها غنيمة وامتياز. ينتابك إحساس بالطمأنينة لأنك تقف على مكتسب جديد ينضاف لسجل عملك وقيمة مضافة تغني رصيدك. من حقك أن تمارس التدافع وأنت مدرك لمجال تحركك دون أن تفقد هوية وظيفتك أو تتنازل عن مبادئك أو ترهن مسارك في قبضة مسؤول فاسد يفكر في الخلاص لنفسه أكثر مما يفكر في الآخر لأنه مرتهن بمطبات لا يمكن أن يجعلك في مأمن منها.
ماقتل التنظيمات والمؤسسات سوى التنازع والإقتتال على مغانم وامتيازات بدون وجه حق تفسد مسار التنافس الشريف الذي يهدف لتمكين الكفاءة من مكانها الطبيعي واللائق في نفس الآن وهو مانعتقد تدافعا أما التنازع فلاحاجة للجوء للقواميس والمعاجم من أجل توضيحه والإستدلال عليه فما نلحظه من سلوكات وتصرفات أعتبرها شخصيا دليلا كافيا لتفسيره والوقوف عليه ، إذا شاهدت كثرة الثناء المبالغ فيه حول أمور عادية صدرت من مسؤول وإذا ارتفع الصوت مدافعا عن موقف مهزوز والأعين تأبى رؤية الحقيقة والصدور تحمل حجما لايطاق من الضغينة بلاسبب ولا علة والمكائد تبنى بسرية ونفاق بواح والخيانة تجارة بلا أرباح فذاك تنازع سيفتك بأصحابه من الداخل ،لكن العجيب أن الجماعة وإن صح القول العصابة كلها اتفقت على الهدم وأتقنته لأنها تحمل جينيا أسباب الزوال لا البقاء.
فشتان بين تدافع يحمل أمل البقاء والوحدة والإنسجام وتنازع قد قتله زوال يشبه لأبعد حد الفناء حتى لا أقول نوع من الإنتحار .
ذ ادريس المغلشي.