أحمد الحجامي
تعرفت على المقاومين لحسن زغلول وحسن مرزوق أوائل السبعينيات؛ لهذا سأركز في شهادتي عنهما على هذه الفترة وأفترض أن من شأن باقي التدخلات أن تتناول جوانب أخرى في فضاءات وظروف مغايرة لتتشكل من مجموع الشهادات لوحة متكاملة ، غنية وزاخرة بالتفاصيل تغطي حياتهما النضالية منذ انخراطهما في النضال ضد الاستعمار إلي الزمن الحاضر.
عندما نتحدث عن سي لحسن زغلول نتحدث عن «دار المغاربة» بالقبة؛ معلمة تاريخية ونضالية تعيد إلى الذاكرة مرحلة بكاملها من التاريخ؛ عندما كان التاريخ يكتب بصيغة الجمع، تاريخ النضال المشترك مغاربيا وعربيا وعلى صعيد القارات الثلاث. هذه الدار كان يريدها المهدي بنبركة مدرسة لتخريج المناضلين الملتزمين بقضية استكمال النضال الوطني والديمقراطي في نطاق النضال العام العربي والأممي. عندما حللت بالجزائر بداية السبعينيات، كأول لاجئ سياسي من اليسار الجديد السبعيني، تعرفت على سي لحسن زغلول، بتوصية من رفاق المنظمة بالداخل؛ ومن ذلك الحين سأنخرط وإياه في سيرورة نضالية سأحاول تذكر محطاتها البارزة في ما يلي من الفقرات.
لأسجلْ أولا أن سي عبد الرحمن، وهو الاسم الذي عرف به في الجزائر، كان «سيد» القبة، إن جاز لي هذا التعبير. هو القيم على الدار – المعلمة، بمكتبتها القيمة، بتجهيزاتها من أدوات الطبع والنسخ، بأفواج الطلبة المتعاقبين عليها إما للسكن العابر في انتظار حل مشاكل الإقامة أو للسكن الدائم طوال سنوات الدراسة خاصة بالنسبة للمناضلين الملتزمين سياسيا؛ يهتم بهم سي عبد الرحمن ويتعهدهم بالرعاية الأبوية، يسدي لهم النصح ويتدخل لدى المسؤولين لحل ما يعترضهم من مشاكل، ويفتح لهم أبواب المكتبة لينهلوا منها ما يتيسر من المعارف والعلوم. وعلى ذكر المكتبة أشير إلى أنها شهدت قبل هذه الفترة تعاقب عدد من الأطر المناضلة والمثقفة سهرت على تزويدها بمختلف الكتب والمجلات والدوريات الصادرة عن دور النشر بالقاهرة وبيروت وبغداد وباريس، وعلى تنظيم ندوات ونقاشات وأنشطة للتثقيف والتكوين بهذه المكتبة للطلاب والمناضلين؛ من الضروري أن يطلع الشباب اليوم على هذا التاريخ وعلى أسماء بعض هذه الأطر التي كان لها إشعاع نضالي، فكري وصحافي؛ أذكر منهم: حميد برادة ومحمد الحداوي (البارودي) وعبد الله رشد (ولد جامع الفنا) ومحمد الباهي حرمة الذي ساهم بنصيب كبير في تأسيس الصحافة الجزائرية وترأس لفترة طويلة مجلة «المجاهد» بالعربية.
لكن اهتمام سي لحسن زغلول لم ينحصر فقط في الطلبة؛ بل انصب جهده الأكبر على الاهتمام بفئة أخرى؛ فئة اللاجئين المغاربة سواء المقيمين منهم بالعاصمة أو بوهران والغرب الجزائري عموما ولهذا كان يسمى بحق «عميد وقيدوم اللاجئين المغاربة». فاللاجئون المغاربة يشكلون شبه مجتمع قائم بذاته يتكون من رجال ونساء وشباب وأطفال ما فتئت تتزايد أعداده منذ بداية استقلال الجزائر تقريبا؛ وهو يختلف عن غيره من مجمعات اللاجئين الآخرين من حيث كونه نتيجة عاملين اثنين؛ القمع في المغرب من جهة، والارتباط التاريخي والجغرافي بين البلدين من حيث الجوار ومن حيث النضال المشترك ين الشعبين المغربي والجزائري والروابط المتينة بين حركتي التحرير في البلدين من جهة أخرى؛ بسبب هذا التشابك كانت أوضاع اللاجئين المغاربة في الجزائر تتراوح بين الايجاب والسلب وتمر بفترات مد وجزر مما لا محل للحديث عنه هنا. أقول، إجمالا، إن سي لحسن زغلول هو من كان يواكب هؤلاء اللاجئين في أوضاعهم ومشاكلهم ومطالبهم ماديا واجتماعيا وسياسيا وحتى حقوقيا حينما كان يتعرض بعضهم لحيف أو تعسف أو اعتقال، فكان يتدخل مباشرة لدى المسؤولين في جبهة التحرير، أو بشكل غير مباشر لدى الأجهزة العليا في الدولة عن طريق رفيقه مجيد العراقي الذي كان له ارتباط مباشر بأعضاء نافذين في «مجلس الثورة». ولا بد من التأكيد هنا أن سي لحسن زغلول، نظرا لجديته ومكانته ومبدأيته، ظل يحظى بالتقدير والاحترام لدى المسؤولين الجزائريين حتى في أحلك الظروف عندما تطورت الأمور إلى الأسوإ بعد الانقلاب الشيطاني تجاه المغرب في مسألة القضية الوطنية. شيء آخر أشير إليه هنا، عرضا، أن سي لحسن زغلول، وخارج إطار المسؤولين وجبهة التحرير، كانت علاقته ممتازة مع جيرانيه في حي القبة، رغم أن من شأن تردد كثير من المغاربة طلبة وغير طلبة وكثير من الضيوف العرب والأجانب أن يثير مضايقات أو انتقادات أو فضولا أو ما شابه ذلك.. أبدا، لم يحصل شئ من ذلك؛ بل إن كثيرا من الجيران كانوا يرجعون إليه في عدد من النوازل الاجتماعية أو الدينية خاصة في الأعياد؛ إذ كان جزائريو العاصمة إذاك، وهم حديثو عهد بخروج الاستعمار الاستيطاني الذي خرب البلاد والعباد وفكك المنظومة الثقافية وزعزع القيم والتقاليد والمرجعيات الأصلية، لا يحفلون بهذه الأمور ولا يكادون يقيمون لها وزنا. وهناك حقيقة لا بد من التأكيد عليها هنا ونحن نتحدث عن فترة أوائل السبعينيات – وما أظن أنها تغيرت في جوهرها رغم كل ما نرى ونسمع من اللغو والغلو- وهي أن الشعب الجزائري عرف تاريخيا بتقديره الشديد للمغاربة وأن هؤلاء كانوا يحتلون لدية المكانة الأولى بين سائر الشعوب الأخرى عربية وغير عربية؛ وهي حقيقة عرفناها وخبرناها وقد تجسدت بكل جلاء في تجربة سي لحسن زغلول وسي حسن مرزوق وسواهما من اللاجئين والمواطنين المغاربة الذين قضوا ردحا كبيرا من سنوات حياتهم بين ظهراني الشعب الجزائري الشقيق.
في الفقرات التالية سأحاول التطرق لجوانب من المسار النضالي للفقيد في الفترة التي قاسمته فيها هذا المسار، وذلك بحسب ما تسعف به الذاكرة ويسمح به الحيز وتقتضيه المناسبة، علما بأن حياته النضالية في كل فتراتها أكبر من تستوعب في بضع فقرات أو بضع صفحات أو بضع شهادات..!
بدأت عمليات التنسيق بيننا كأفراد أول الأمر؛ أعبر من جهتي عن مواقف وأطروحات اليسار الجديد في المغرب الذي تأسس حديثا ولا يعرف في الجزائر أي شئ عنه، ويمثل سي لحسن مجموعة من قيادات وأطر ومناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التي اقتنعت بعدم جدوى التحضير لعمليات مسلحة من الخارج واعتزلت بالتالي مجموعة الفقيه البصري، منتظرة ما تتمخض عنه الساحة من امكانيات وتوجهات وتيارات مع تتبع عن كثب لبعض الرموز والتيارات التي تتحرك هنا وهناك وتعبر عن مواقفها في مختلف الهيئات والمواقع وخاصة في مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وقد بلغ هذا التنسيق ذروته صيف 1971 بمناسبة محاكمة مراكش الكبرى؛ تصادف ذلك مع وجود سي محمد بنسعيد آيت يدر بالجزائر فكان ذلك فرصة طيبة للقاء به وتبادل وجهات النظر؛ بحيث كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها عنصر من منظمة 23 مارس مع المناضل الكبير بنسعيد الذي سيطلع بالتفصيل على التوجه السياسي والايديولوجي لهذا الفصيل وسيرورة تأسيسه ونوعية قياداته جوابا على الأسئلة الدقيقة التي كان سي بنسعيد يطرحها حتى تتضح لديه الصورة التي وصلته ناقصة أو مشوشة عن المجموعة التي كانت تتسرب عنها أخبار مجزأة وناقصة أو غامضة وكان لديه ولدى رفاقه ميل لها وتعاطف عام معها، وكان هذا الميل والتعاطف متبادلا بين منظمة 23 مارس ومجموعة ما سيطلق عليه لاحقا مجموعة «ج» اللتين ستجمعهما سيرورة توحيدية اندماجية انطلاقا من هذه اللحظة بالذات. مع محمد بنسعيد ولحسن زغلول أسسنا بالقبة لجنة «التضامن مع المعتقلين السياسيين ومناهضة القمع بالمغرب» دعما وتضامنا مع المناضلين الذين تجري محاكمتهم في مراكش (مجموعة محمد الحبيب الفرقاني ومن معه). وقد تشكلت هذه اللجنة من عدد من مناضلين آخرين أتذكر منهم: عمر الفرشي، محمد باهي حرمة، عبد المجيد العراقي، مصطفى العماري، أحمد تفاسكا، امحمد طلال، عبد العزيز الهراس، محمد الأسمر، فضول القماح وآخرين لا أتذكر أسماءهم. بعثت اللجنة برقيات إلى وكالات الأنباء المعتمدة بالجزائر للتنديد بالمحاكمةوإطلاع العالم على ما يجري في المغرب وأصدرت بيانا في الموضوع وزع على حركات التحرر والهيئات الدبلوماسية وفي الكليات والمعاهد والأحياء الجامعية وأرسل إلى عدد من الشخصيات المعارضة الصديقة التي كان لحسن زغلون ورفاقه على علاقة وطيدة بها وخاصة من أنصار الرئيس السابق أحمد بنبلة. بالاضافة إلى ذلك اتفقت اللجنة على إصدار نشرة تحت عنوان «التضامن» تعرف بأخبار القمع والنضالات في المغرب وقد استمرت في الصدور سنوات بعد ذلك بإشراف وعناية سي لحسن زغلول.
لقد كات لجنة «التضامن» حاضرة في كل المناسبات والتظاهرات المقامة بالجزائر؛ هكذا تحركت، مثلا، إبان انعقاد المؤتمر العاشر لاتحاد الحقوقيين الديمقراطيين (2 ابريل 1975) فوجهت إلى المؤتمرين مذكرة تتضمن جردا شاملا بانتهاك الحقوق وممارسة القمع بالمغرب مشفوعة بالاتصالات وبالنقاشات المباشرة مع الشخصيات الحاضرة من مؤتمرين وصحافيين؛ نفس التحرك قامت به اللجنة بمناسبة انعقاد المؤتمر العاشرلاتحاد الأدباء العرب في نفس السنة، حيث وزعت بيانا على المؤتمرين ونداء للأدباء العرب وقعه 77 أديبا منهم على سبيل المثال: حسين مروة، سهيل ادريس (لبنان)، جودت الركابي، برهان غليون، قصي صالح الدرويش (سوريا)، محمد مهدي الجواهري (العراق)، سلمى الخضراء الجيوسي، أحمد دحبور (فلسطين)، كاتب ياسين، أحمد توفيق المدني، الطاهر وطار، أحلام مستغانمي (الجزائر)، محمد خير الدين، محمد الميموني، عباس الجراري، مبارك ربيع، محمد برادة، أحمد المديني (المغرب) .. الخ
أشير إلى أن سي لحسن زغلول قام بتوسيع لجنة «التضامن» لتشمل مناضلين من اللاجئين في وهران في مقدمتهم حسن مرزوق وأحمد الرگيگ وامبارك ذكيري وعبد الله الدكالي… لتبادل الأخبار وتوزيع النشرة على اللاجئين بالغرب الجزائري، قبل أن يصدروا بدورهم لاحقا نشرة «الوحدة» على مستوى الطلبة المغاربة بجامعة وهران.
هذه بشكل إجمالي نبذة مختصرة عن لجنة «التضامن مع المعتقلين السياسيين ومناهضة القمع في المغرب»، عن نشرتها ونشاطها، والتي شكل سي لحسن زغلول قطب الرحى فيها وشكلت نشرة «التضامن»، في ما يلي من السنوات، أداة من أدواته في التحرك وسط حركات التحرر العربية والدولية ولدى الهيئات والشخصيات الوازنة على الساحة الجزائرية، وكان التركير على القضية الفلسطينية بالخصوص؛ تجلى ذلك في التنسيق المكثف مع مختلف فصائل الثورة الفلسطينة المتواجدة على الساحة الجزائرية. وما يجدر ذكره، كرمز للتعامل الخاص مع قضية فلسطين، أن اللجنة بعثت سنة 1975 ببرقية تضامن إلى الرئيس ياسر عرفات تستنكر فيها المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينة من طرف اسرائيل وحزب الكتائب في لبنان.
وبخصوص ملابسات قضيتنا الوطنية، يجب التذكير أن هذه الفترة التي نتناولها من مسار المرحوم لحسن زغلول هي التي عرفت تحول قضية الصحراء من قضية عادية لمواصلة النضال من أجل تصفية الاستعمار واستكمال الوحدة الترابية للمغرب إلى إشكالية كبرى بافتعال نزاع بين أطراف لا ناقة لها ولا جمل في الموضوع؛ وكنا شهودا، وكان سي لحسن زغلول شاهدا على عملية قرصنة غاصبة في وضح النهار جرت أمام أعيننا على الشكل التالي: في أحد الأيام من سنة 1973، أخبرني مدير مكتب جبهة عمان والخليج أن مجموعة من المناضلين «المغاربة الصحراويين» يجرون اتصالا ببعض حركات التحرر ويوزعون بيانا مستنسخا على الكاربون بنسخ محدودة جدا ويقولون إنهم يناضلون من أجل تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني.. وكنت، في لقاءاتي مع المسؤول العماني، قد وضعته في صورة الوضع في المغرب وأن الشعب المغربي ما زال يناضل من أجل استكمال تحرير أجزاء من ترابه من نير الاستعمال الاسباني في سبتة ومليلية وفي الصحراء. وهكذا ربط لي الاتصال مع هؤلاء الشباب الصحراويين فقدموا لي أنفسهم: مصطفى الوالي السيد ورفيقين له قدم لي أحدهما على أنه مسؤول الاعلام والآخر على أنه مسؤول عسكري في «جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب»، أخذتهم إلى القبة حيث جرى أول اجتماع لنا معهم بحضور المرحومين سي لحسن زغلول وسي أحمد تفاسكا وأحمد الحجامي. دام الاجتماع عدة ساعات في جو أخوي رفاقي شبه عائلى وكلام عام عن تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني دون أي إشارة لا إلى انفصال ولا جمهورية ولا تقرير المصير… انتشى مصطفى الوالي بجو الجلسة وشجون الحديث ولم يرد مفارقتنا، وعندما ألح عليه رفيقاه بالاستئذان لأن هناك عملا ينتظرهم أجابهم بعفوية بأنه يشعر بأنه بين أهله وعائلته. وبقية التطورات معروفة؛ اتصلوا بالفقيه البصري الذي ربط لهم الاتصال بليبيا والقذافي.. كل هذا والجزائريون لا هُمْ في العير ولا في النفير. وبين يوم وليلة تدخل مخابرات قصدي مرباح على الخط، وبين يوم وليلة يتم نقل مصطفى الوالي ورفاقه من فندق بروكسيل، آخر درجة بوسط العاصمة إلى فندق سان جورج خمس نجوم بأعالي العاصمة..! والبقية معروفة، ومنذ نصف قرن ما تزال هذه القرصنة الغاصبة تنوء بكلكلها علينا إلى اليوم..!
بعد 1973، ستتخذ العلاقة مع لحسن زغلول طابعا «رسميا»، إن صح التعبير، بعد تجربة نضالية وإنسانية لأزيد من سنتين في تفاعل وانسجام نموذجيين؛ بعد أن أسفر النقاش الدائر بفرنسا بين عناصر من قيادة 23 مارس التي نجت من قمع 1972 من جهة، ومجموعة «ج» بقيادة مولاي عبد السلام الجبلي ومحمد بنسعيد من جهة أخرى، عن قرار اندماج أفراد المجموعة في منظمة 23 مارس؛ وهكذا التحق مولاي بد السلام الجبلي ومحمد بنسعيد وحميد برادة ورشيد سكيرج ومحمد بورحيم (بنسعيد الصغير) ومحمد مخليص من فرنسا، ولحسن زغلول وأحمد تفاسكا وحسن مرزوق وأحمد الرگيگ وغيرهم من الجزائر، بالمنظمة وانتظموا في خلايا حسب القوانين التنظيمية لمظمة 23 مارس. هذه هي السيرورة التي تمت بها الأمور في الخارج وقد أطلت فيها بعض الشئ حتى يكون المناضلون الشباب على بينة من فصل هام وأساسي من تاريخ اليسار الذي نحتفل بذكرى أحد رموزه اليوم.
أختم بكلمة بعيدة من السياسة قريبة من العائلة. سي لحسن زغلول طوال عشر سنوات، عرفه الناس بالجزائر أبا للجميع، يحب الجميع ويحنو على الجميع؛ ولكنه يعيش وحيدا في الطابق الأول للڤيلا بحي القبة، بعيدا عن عائلته وأبنائه الطبيعيين الذين تركهم هناك في أرض الوطن على بعد ساعة بالطائرة لكنهم ممنوعون من الخروج، ممنوعون من الجواز، ممنوعون من السفر. هذه هي قمة النفي والمنفى؛ منفيون هناك في الوطن وهو منفي هنا خارج الوطن. لكن هل رأى أحد سي لحسن والابتسامة تغادر شفتيه؟ هل سمعه أحد يئن أو يشكو؟.. لقد كان مثالا للصمود، مثالا للصلابة والشموخ، وفي نفس الوقت مثالا للرقة والحنان يبدو ذلك في الكلام الطيب الصادق، في النكتة العفوية العميقة وفي المظهر اللائق والأنيق دائما. لكن عندما يودع ضيوفه ويغلق عليه باب غرفته ويؤوب إلى نفسه، كان يسافر إلى هناك، إلى أعماق الوطن في الجنوب حيث عائلته، زوجته وأبناؤه.. بطول المعاشرة والارتياح إلينا أنا والمرحومة زوجتي أمينة استطعنا الاقتراب من عالمه الداخلي وملامسة انهمامه وانشغاله الدائم بمصير زوجته وأولاده. خلاصة القول، أنه بعد محاولات متكررة لإحضار أسرته، لم تكلل بالنجاح، تمكنت المرحومة زوجتي من التقاء أسرته وترتيب خروجها عبر الحدود بتدبير من رفاق المنظمة بالداخل حيث وصلت سالمة إلى الجزائر فيما يشبه معجزة صغيرة وتنورت الدار الكبيرة بالقبة بعد اجتماع شمل سي لحسن زغلول أخيرا بزوجته خديجة وابنتيه بهيجة وآمال وحالت ظروف دون حضور ابنه الذي سيكون عليه أن ينتطر سنوات قبل أن يراه.
فتحية إلى هذه الأسرة المناضلة الكريمة ورحم الله سي لحسن زغلول الذي كان مناضلا فذا قل أن يجود الزمان بمثله.
أحمد الحجامي