نص الشهادة التي أدلى بها في محمد فكري الذكرى الثانية لوفاة الرفيق محمد زغلول التي نظمها الحزب الاشتراكي الموحد بدار الجمعيات بمراكش، يوم السبت فاتح يونيو 2024 والذي أقيم بدار الجمعيات بالحي الحسني.
المقاوم لحسن زغلول : مسيرة طويلة من النضال والمقاومة والتحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
تعرفت على المقاوم والمناضل الفذ سي لحسن زغلول (كما كنا نناديه)، في بدابة الستينيات من القرن الماضي بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمراكش، الكائن بالرميلة، شارع فاطمة الزهراء. وقد كان مسؤولا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي عن مكتب جمعية المقاومة وأعضاء جيش التحرير، التي كان يترأسها المرحوم الفقيه محمد البصري، ولما تم انفصال الجناح التقدمي عن حزب الاستقلال أصبح سي لحسن زغلول مسؤولا عن التنظيم الجديد، الذي سمي “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال”، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد ذلك، فقد كان سي لحسن زغلول رحمه الله مكلفا تنظيميا والتأطير السياسي بإقليم الرحامنة، الذي يضم الرحامنة وقلعة السراغنة، فهو ينتمي لإقليم الرحامنة وهو الذي كان مسؤولا عن المقاومة بجماعة بوشان والرحامنة عموما.
تابع دراسته الابتدائية بمدرسة القائد العيادي ثم بزاوية الفقيه المختار السوسي بباب دكالة ثم بكلية ابن يوسف، شارك في الحركة الوطنية وفي المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي.
سي لحسن زغلول، رغم مكانته ودوره في صفوف المقاومة ضد الاستعمار، كان يعيش حياة بسيطة جدا، مكتفيا بقوته وقوت أولاده، لم يسع للاستفادة من الريع المتمثل آنذاك في توزيع مأدونيات النقل الصغرى منها أو الكبرى، وكذا العديد من الامتيازات الأخرى، والدليل على هذا أنه كان يتنقل على متن دراجة هوائية قديمة طيلة المدة التي عاش فيها في مراكش،
بتلك الدراجة كان يقضي جل أغراضه، وبها كان يحمل أبناءه الصغار للمدرسة..
وفي أول انتخابات بلدية جرت في المغرب، كان المرحوم سي لحسن زغلول من بين المرشحين الفائزين عن الدائرة التي يقع بها مقر سكناه، وكان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الذي فاز بأغلبية مقاعد المجلس البلدي لمدينة مراكش، وهذا ما يخوله، أي الاتحاد، تولي رئاسة المجلس، غير أن النظام كان له رأي آخر، فعند التهييء لانتخاب مكتب المجلس، تقدم للرئاسة المناضل والقائد النقابي المرحوم محمد المهدي الورزازي، وكان الجميع متيقنا أن النتيجة محسومة لصالحه، وأنه سيكون أول رئيس للمجلس البلدي لمراكش، وترشح منافسا له المرحوم امحمد بوستة عن حزب الاستقلال، الذي كان أقلية داخل المجلس، وتفاجأ الجميع بفوز المرحوم امحمد بوستة برئاسة أول مجلس بلدي منتخب، كيف…؟ الله وهم أعلم بهذا..!! بقيت أغلبية المجلس اتحادية بما فيهم النائب الأول للرئيس، الذي كان هو الرئيس الفعلي، وقد شغل هذه المهمة المرحوم أحمد بنشرقي القيادي السابق في حزب الشورى والاستقلال، ومن الجناح الذي اندمج في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
كان المرحوم سي لحسن زغلول يزاوج بين مهامه بصفته المدير الفعلي لمقر الحزب والمسؤول التنظيمي عن إقليم الرحامنة والقلعة، ومهامه كممثل للسكان في المجلس البلدي، لم يتأخر عن أي جلسة من جلساته، أو نشاط من أنشطته، يدافع عن مصالح السكان باستماتة ودون مساومة.
المرحوم سي لحسن زغلول كان محبوبا من جميع المناضلين يحظى بتقديرهم واحترامهم سواء بالنسبة للمنتمين الحزبيين وغير المنتمين، وحتى من المسؤولين المحليين والاقليميين من رجال السلطة، وذلك لدماثة خلقه وطيبوبته ووفائه لمبادئه. له تأثير قوي على المناضلين يستمعون إليه ويحترمون آراءه، وقد تعرض لمحاولة الخطف والاعتقال في العديد من المرات، من طرف أجهزة المخزن، نظرا لأنشطته الحزبية والسياسية وتأثيره على الناس، اعتقل عدة مرات، أو بالأصح أختطف ثم أطلق سراحه، وبما أنه كان من قادة المقاومة المسلحة في الجنوب ومن المؤطرين السياسيين، فقد كانت له عيونه داخل أجهزة النظام من الذين كانوا محسوبين على المقاومة، وهذا ما جعله يفلت من الاعتقال مرات عديدة. هكذا أفلت من اعتقالات ما يسمى بـ”مؤامرة 16 يوليوز 1963″، التي اعتقل فيها كل قادة وأطر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين كانوا يعقدون اجتماعا بالمقر المركزي للحزب بالدار البيضاء، ومحاصرة المقرات الحزبية في المدن المغربية واعتقال كل من يدخلها أو حتى يمر من أمامها. لقد أفلت من هذا الاعتقال وأصبح هو المكلف بالاتصال بمن تبقى من أعضاء الحزب بمراكش وببعض الشباب من أجل الإعداد لمواجهة جديدة مع الحكم الفردي، كما كان يسميه آنذاك الاتحاديون، لكنه في الأخير اضطر للخروج من المغرب، بعد أن تم اعتقال المرحوم الحاج محمد أطلس ووجهت له ومن معه تهمة التآمر ضد الأمن الداخلي للدولة ومحاولة اغتيال الملك الحسن الثاني. في المحكمة صدر حكم بالاعدام حضوريا على الحاج محمد أطلس، وعلى المرحوم الرفيق سي لحسن زغلول والرفيق المرحوم محمد بنسعيد آيت إيدير بالاعدام غيابيا.
وقد عاش المرحوم سي لحسن في الجزائر كلاجئ سياسي (وسيتكلم عن هذه الفترة رفيقي أحمد الحجامي) وإثر الخلاف الذي حدث بين الفقيه محمد البصري، وبعض القياديين من المقاومة حول تقييمهم للوضع السياسي وسبل الكفاح ضد المخزن، انضم المرحوم سي لحسن زغلول لتيار الرفيق المرحوم محمد بنسعيد ومولاي عبد السلام الجبلي وحميد برادة والمرحوم رشيد سكيرج، التيار الذي عرف ب “ج”، والذي اندمج بعد ذلك في منظمة “ب” وانبثقت عنه “منظمة 23 مارس”، ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
بعد اعتقالات 16 يوليوز 1963 بقي سي لحسن زغلول متواريا عن الأنظار يتنقل متخفيا بمدينة مراكش مؤطرا كعادته عددا من المناضلين الاتحاديين الذين كانوا ينتمون لتيار المرحوم الفقيه البصري وبعض الشباب الذين كان يثق فيهم، وأتذكر أني التقيت به في أحد الأيام وكلفني بمهمة الاتصال بأحد الاتحاديين المقاومين وكان ينوي أن يُكون خلية للشباب تضم محمد فكري ومحمد فوزي المناضل الذي اختفى منذ ذلك الوقت ولم نعرف له أثرا ولا حسا منذ ذلك التاريخ وقد كان يعيش معي في مقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بباب دكالة، فهو ينتمي لدوار إدا أبوزيا قبيلة حاحا بناحية الصويرة وكان يتابع دراسته بدار البارود، وبعض المناضلين الآخرين.
لما اعتقل المرحوم الحاج محمد أطلس في مراكش، كان يتمطي دراجة المرحوم سي لحسن زغلول، وهذه الدراجة كانت معروفة للقاصي والداني، ومنهم المخبرين والبوليس السياسي، الكل كان يعرف دراجة سي لحسن زغلول لأنها هي الوسيلة التي يتنقل بها داخل مراكش وبها يقضي كل مهامه، يذهب بها لاجتماعات المجلس البلدي وحضور الاجتماعات الرسمية في العمالة، وأتذكر أنه في إحدى مناسبات الاحتفال ب3 مارس أخذني معه لاستقبال أقامه عامل مراكش والإقليم، آنذاك، الطاهر أوعسو، كانت ملابس سي لحسن متواضعة وعادية ولكنها أنيقة، فقد كان يتميز بأناقة المظهر الذي يضفي عليه المزيد من الهبة والوقار، أما أنا فكنت ألبس ما يشبه الأسمال، قميصا مهترئا يعمر على جلدي، لا أقول لشهور، بل لسنة أو أكثر لا أغيره لا ليلا ولا نهارا، لأني لا أملك غيره، وأنتعل حذاءا مطاطيا مهترئا هو أيضا يبقى في رجلي شتاء وصيفا، دخلت معه لقاعة الاحتفالات واستقبلنا العامل الطاهر أوعسو، الذي كان الحاكم المطلق لإقليم مراكش الشاسع الذي كان يضم الرحامنة وقلعة السراغنة وأسفي. سي لحسن زغلول سجل حضوره وخرج ولم يبق لشرب الشاي وأكل أنواع الحلويات والاستماع للموسيقى الأندلسية، وقد خيرنا بين البقاء لمتابعة الحفل وشرب الشاي أو الخروج معه، فاخترت الخروج. فالسي لحسن زغلول كان يكره الحفلات الرسمية.
هكذا هو المرحوم سي لحسن زغلول يتسم بالتواضع ولكنه لا يتواضع مع الأعداء الطبقيين، يدافع عن حقوق المواطنين أينما حل وارتحل، قاوم الاستعمار، ثم واصل التضال من أجل استقلال حقيقي سياسي واقتصادي ومن أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية، ارتبط دائما بالطبقات الشعبية ولم ينفصل عنها في أي يوم من الأيام… كانت له صداقات مع مقاومين كثيرين يحترمونه ويقدرونه ويستمعون إليه، رجل صلب لا يتنازل عن حقوقه أبدا يجادل ويناقش ولكنه لا يفرض رأيه على أحد، كان ديمقراطيا بطبعه لا يحب الأضواء ولهذا كان دائما في مقدمة النضال يؤطر وينفذ ولا يتسابق لاحتلال المقاعد الأمامية.
هذه نبدة مبتسرة من حياة هذا المناضل الفذ المقاوم سي لحسن زغلول الذي يستحق التكريم ونشر سيرته النضالية ليستفيد منها أبناء هذا الجيل والجيل الذي قبله ومن سيأتي من بعدهم، فالتاريخ الحقيقي لا يكتبه المؤرخون المحترفون لأن من عادتهم تجاهل صناع التاريخ الحقيقيين، بل يكتبه المناضلون البسطاء الذين يضحون ويبقون متمسكين بمبادئهم لا يتنازلون عنها ولا يساومون من أجلها.