إدريس المعاشي
في هذا الفضاء الفسيح الذي نعيش فيه نرى بأم أعيننا كيف أصبحت تضيق الحياة والعيش على المواطن البسيط. وكيف تفضح الوقائع كثير من الطبالين وصار باديا للعيان كيف ساءت احوال الناس .ولم يعد ينفع لا الماكياج ولاتنميق الكلام وبما ان البعض يتهمنا بالسوداوية وخط تحريري عدمي يترصد كل الاختلالات وهو امر من صميم ادوار الصحافة النزيهة.فاننا نسوق بعض الأمثلة للتفوق والنجاعة رغم قلتها من اجل ابرازها والاشادة بها ونتمنى ان تنسحب لتعمم على باقي المجالات الأخرى .
أحسن مناسبة توجه فيها النصيحة لأحد لتؤدي دورها كاملا حين ترافقه في تشييع جنازة. فهي لحظة الشعور بالمسؤولية في أعلى مستوياتها. الكل متأثر بالمشهد ونحن نفارق اعز الناس تجول بمخيلتنا كثير من الذكريات فنعود لنحصي الاحباب والإخوة الذين غادرونا دون ترتيب ودون ان ننتبه . تحضر كثيرمن الأحداث الجميلة فتدمع العين ونسلم بالرضا لقدر الله.هي لحظة مؤثرة تستطيع ان تجعلك تنسى كل شيء وتزهد فيه. فأنت تعاين مكانك الأخير ومصيرك النهائي الذي لن ينفعك فيه أحدسوى عملك وسيرتك بين الناس . سيتبادر إلى ذهنك سؤال محوري ماذا أعددت لمثل هذه اللحظة ؟ هل سيبقى مفعول كل هذه الطقوس في حياتك اليومية ؟ ام ان انشغالات الحياة تفعل فعلتها فيك فتنسى او تتناساها لتنغمس فورا او تدريجيا في ملذاتها وقد ينمحي اثرها بعد مدة قد تطول او تقصر ولا تستفيق إلا بعدما يتكرر المشهد نفسه امامك مرة أخرى .لتعيد نفس الأسئلة وتعود للنسيان مرة اخرى هكذا دواليك .ألم يحمل الإنسان صفة النسيان كنعمة ؟لكن ان طال بها الأمد اصبحت آفة يضيع معها العمل .
سياق هذه الكلام ماعشناه ونحن نشيع أم أحد الاخوة إلى مثواها الأخير وقد فاجأتنا جمعية الرحمة للأعمال الأجتماعية والخيرية بجماعة سعادة ضواحي مراكش بمستوى عالي من التدبير من خلال التنظيم المحكم الذي تعرفه المقبرة حيث يستقبلك عند الباب مكان وضعت فيه عدد كبير من الواقيات الشمسية ( تارزة ) بشكل منظم تجد بعدها عن يسارك مشربة بها اكواب وماء بارد يقيك حر يوم ملتهب.القبور كلها مصطفة في خط مستقيم في اتجاه القبلة، وبما ان المتوفاة امرأة فهناك ستارة من الثوب السميك والحديد لتؤدي الغرض. كما اخبرت ان الرئيس صاحب تلك المساحة الفسيحة قد جعلها وقفا لدفن اموات المسلمين فجمعية الرحمة كانت رحيمة بأهل المتوفى حيث حددت تسعيرة الدفن في مبلغ 200درهم دون زيادة وشروط اخرى تظهر بجلاء ان المشرفين على هذا العمل الخيري فعلا يجسدون ارقى معاني الانسانية وفعل الخير في هذا المجال الذي اصبح هو الآخر يشكل معاناة اضافية للمواطنين. لكن مايثير الانتباه أن أعضاء الجمعية واعون بثقل المسؤولية ، يضعون انفسهم مكان الآخر فالإحساس بالواجب والإبداع فيه بما يخفف المعاناة عن الآخر ليس في متناول الكل ،إذا كانت هذه الجمعية قد أحسنت وهي تستقبل الموتى فمن يحسن استقبالنا نحن ؟
لا نطلب من المسؤولين سوى التأسي بهذه الأعمال الجليلة و بعضا من الكرامة مادمنا احياء فوق هذه البسيطة .