في الموسم الدراسي 1949-1950 التحق محمد بن سعيد أيت ايدر بجامعة ابن يوسف بمراكش عن طريق مدرسة محمد المختار السوسي –توفي في 1964-، الذي كان منتميا للزاوية الدرقاوية، وقد أسس مقرا للزاوية في حي باب دكالة بمراكش، كان الهدف العميق منه، فضلا عن جمع واجتماع المريدين، مدرسة داخلية بالنسبة للطلبة من خارج المدينة، وحتى بعض الطلبة من سكان المدينة. وقد عقد الأستاذ محمد المختار السوسي اتفاقا مع الأستاذ عبد القادر المسيوي رئيس جامعة ابن يوسف آنئذ على تكوين هؤلاء الطلبة تكوينا مكثفا خلال سنتين، ويجيز لهم الفقيه المختار الانتقال إلى جامعة ابن يوسف في السنة الرابعة، إذ كان أغلبهم في سن الشباب، ولا يمكن أن تكون دراستهم من البداية، فضلا أنهم كانوا قد درسوا اللغة والقرآن الكريم في مناطقهم، وكان ضمن هؤلاء الطلبة محمد أيت ايدر، وكان السعيد والد محمد صديقا شخصيا للمختار السوسي، وكان من مريدي الزاوية الدرقاوية، وقد تعرفت على سعيد أيت ايدر فيما بعد، كنا قد أسسنا في جامعة ابن يوسف خلايا وطنية/حزبية لاستقطاب الطلبة الجدد وكان ضمنهم المرحوم محمد بن سعيد الذي صادف التحاقه بابن يوسف حركة طلابية / ضخمة هدفها التضامن مع طلبة جامعة القرويين بفاس الذين تعرضوا للاعتقال والمنع من الدراسة وأيضا المطالبة بتطوير الدراسة في جامعة ابن يوسف وإضافة مقررات أخرى في أسلاكها. وكان من الحساسيات لدى الإدارة الاستعمارية وإدارة الجامعة وباشا مدينة مراكش التضامن مع جامعة أخرى أو مدينة أو أي نضال جماعي، وكنا نجري حوارات واجتماعات، إلا أن بعض الوشاة وكان عددهم أربعة أحدهم يدعى بالمحجوب، والثاني يدعى السبيطي، وكانوا يبلغون الإدارة بما نهيئ له، فاتفقت جماعة من الطلبة منهم محمد بن سعيد وغيرهم على مواجهتهم، وقد تعرض السبيطي للضرب والرمي في صهريج المدرسة، فاتخذت الإدارة قرارات بطردهم من الجامعة بما فيهم محمد بن سعيد الذي غادر الدراسة وعاد إلى منطقة اشتوكة، أما أنا فقد صدر قرار بطردي وعدم قبول أي جامعة أو مدرسة بي على الصعيد الوطني، وكان معي من المطرودين عمر البيضاوي وبوشعيب الدكالي الحريري، وقد تم إعادتنا للجامعة بعد مدة وذلك بعد تدخل – كما سمعنا – من السلطات العليا لأن التعليم الأصيل كان خارج سلطة الحماية وأعوانها، فهو تحت إشراف السلطان/الملك . بعد هذه المرحلة تطورت حركة ابن يوسف إلى حركة قوية، خصوصا بعد عودة الراحل عبد الله إبراهيم – توفي في 2005- بعد إكمال دراسته بفرنسا 1945-1949، والذي قاد حركة تنظيمية في الصناعات التقليدية التي كانت تضم 50 حرفة، وكانت هي الطبقة العاملة بالنسبة للمغاربة في كل المدن خاصة التقليدية، وشكل لجان في مختلف الأنشطة بما فيها الرياضة. وكانت تعقد اجتماعات أسبوعية، وقد تناهت أخبار هذه الحركة ولجانها إلى الإدارة فلم تمر إلا مدة وجيزة حتى قررت الإدارة طردنا من جديد من الجامعة خاصة الأسماء المعروفة التي قادت حركة التضامن مع جامعة القرويين. وقد التحق المطرودون، في أغلبهم بمدينة فاس وبجامعتها؛
وتجدر الإشارة إلى أن الفقيه الفاروقي الرحالي بعد الاستقلال ولتكريم بعض المناضلين الذين لم يكملوا دراستهم لكونهم طردوا لنضالهم من جامعة بن يوسف، منحهم الفقيه الرحالي شهادة العالِمية -فخريا- وضمنهم محمد بن سعيد والفقيه محمد البصري؛
ولم تمر إلا بضعة شهور حتى جاءت مرحلة الحوادث. أي اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد في 1952، والتي عرفت تضامنا جماهيريا واسعا من الشعب المغربي مع الشعب التونسي، في فقدان أحد قادته الكبار اغتيالا. وقد قاد الجناح المغربي في النقابة الفرنسية س.ج.ت النضال بقيادة المحجوب بن الصديق والطيب بن بوعزة وغيرهم.
ولم تمر إلا سنة واحدة تقريبا على حوادث 1952، حتى جاءت أحداث 20 غشت 1953 حيث قرر الاستعمار وأعوانه عزل ونفي السلطان محمد الخامس 1927-1961 وتأسست المقاومة المسلحة في مختلف المدن المغربية لمواجهة الاستعمار، فبعد أن كان النضال سياسيا صار نضالا مسلحا وارتبطتُ بعلاقة وثيقة بالشهيد محمد الزرقطوني -استشهد في 1954- وخلال سنة 1953 وجزء من سنة 1954 اكتشفنا عن طريق الشهيد محمد الزرقطوني أن العمل المسلح اقتصر على المدن دون البوادي حيث جل سكان المغرب آنئذ، فقررنا تأسيس خلايا ثلاثية لجيش التحرير في الجنوب بقيادة عبد السلام الجبلي، ووسط المغرب بقيادة بن عمر، والشمال بقيادة محمد الزرقطوني التي تكلفت بعد استشهاده، جماعة المقاومة المنفية في الشمال المغربي بالحلول محله، كنا في نفس السنة 1954 قد قررنا اغتيال العقيد البشير بنحيون باشا أكادير الذي كان من أشد الداعمين لفرنسا واستعمارها، وكان من الذين أصروا على عزل ونفي الملك محمد الخامس، وهذه العملية أوضحتها بشكل مُوسع في كتابي: «أوراق من ساحة المقاومة المغربية».
بعد هذه المرحلة بدأنا في تأسيس جيش التحرير في البوادي والصحراء، وكان معي المناضل محمد بولحية -اغتيل حوالي سنة 1964- وبدأنا نتنقل في مختلف المناطق في جنوب المغرب إلى أن وصلنا إلى منطقة شتوكة، فأبلغني بولحية أن محمد بن سعيد أيت ايدر يتواجد في المنطقة، ووجدنا بن سعيد في حقل صغير يغرس الطماطم، وطلب منا أن نتعشى معه، وأبلغ والده أننا من مدرسة سيدي بوعبد اللي، وهي مدرسة من مدارس سوس لحفظ القرآن الكريم والفقه، إلا أن والده الذي كان ذكيا لم يصدق ذلك، فأجابه ساخرا: عبد اللي؛ وأضافنا. وأثناء الليل وفي الغد سلمته مسدسا ودربته تقنيا على استعماله وتنظيفه وطلبت منه متابعة تصفية ملف الباشا بنحيون -وخليفته- الذي حاولنا اغتياله وتم نقله إلى فرنسا للعلاج، وباعتباره طالب سابق -أي محمد بن سعيد- بجامعة بن يوسف بمراكش، فإنه يجب أن يتصرف بسرية وأن يشتغل تنظيميا وليس فرديا كما كنا نتصرف دائما، إلا أن حدثا وقع له بعد بضعة أيام في مقر باشوية أكادير، ففر إلى سيدي افني التي كانت مستعمرة إسبانية حيث بقي لمدة عامين، وبعد الاستقلال 1956 استدعيناه قصد التعاون معنا وجاء إلى الدار البيضاء، وكلف بمهمة تنفيذ الإسعافات والمساعدات لعائلات الشهداء والمعتقلين ككل… وكان هو المُنفذ لتوزيع المساعدات المالية على هذه العائلات، وعندما تم إعلان توزيع المأذونيات على المقاومين، كنت مع المعارضين لذلك حتى لا تتحول المقاومة إلى مؤسسة استثمار، وكان من أشد المساندين لهذا الرأي محمد بن سعيد أيت ايدر والفكيكي الشهير بالأعور، وبعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم وانشقاق حزب الاستقلال، ووفاة محمد الخامس في 1961، وصدور أمر اعتقالي مع باقي المعارضين وكنت متخفيا، وكان بن سعيد ومحمد العربي مُحيي يزورانني في مكان الاختباء بأحد أحياء البيضاء لمدة عام، وبعد رحيلي إلى اسبانيا واستقلال الجزائر 1962، انتقلت إلى مدينة الجزائر حضر أيضا محمد بن سعيد أيت ايدر حوالي 1965، وقد بعث له قبل ُ وهو في المغرب محذرا أنه قد يعتقل والتحق بي، وبعد مغادرتي الجزائر إلى فرنسا بعد انقلاب الرئيس الهواري بومدين على الرئيس أحمد بن بلا في 1965، كان محمد الفقيه البصري قد أسس تنظيما مسلحا لمعارضة النظام في المغرب، وقد انتمى فيما بعد بن سعيد إلى حركة الفقيه البصري التي ساندها وموَّلها الرئيس الهواري بومدين. وكان بن سعيد يشكو لي من تصرفات الفقيه البصري تجاهه، الذي كان يعتقد -أي الفقيه البصري- أنني أحرض بن سعيد ضده، وهو أمر غير صحيح، إذ كان بن سعيد قد التحق بفرنسا وصار ضيفا دائما في منزلي لسنوات، وأحيانا يذهب إلى منزل أحد أفراد عائلته يسمى يوسف في منطقة كليشي بباريس، وقد رافقني كمقيم دائم بمنزلي بفرنسا لسنوات طوال. وبعد أن أسست مطعم طاجين بعدما كنت أعمل في مطعم آخر كطباخ، كان يزورني ويساعدني في العمل في مطعم طاجين. وكانت علاقته قد انفصمت مع الفقيه محمد البصري. وارتبط فيما بعد مع حركة اليسار المغربي أو 23 مارس، واستقبل وهو بباريس خلال السبعينيات أعضاء هذه المنظمة وساعدهم، وفيما بعد اختاروه ليكون أمينا عاما لمنظمة العمل الشعبي وهو تاريخ معروف…
رحم الله بن سعيد ورحم الله الشهداء والمناضلين.