عبد الجليل الأزدي
لنفترض بداية أن من الموائم الوقوف عند رأس الرجل في الصورة قصد الصلاة عليه صلاة الميت، نصليها واقفين؛ إذ لا ركوع فيها ولا سجود. نكبر التكبيرة الأولى، ثم نقرأ الفاتحة؛ فالتكبيرة الثانية، مع قراءة النصف الأخير من التشهد؛ وبعدها تكبيرة ثالثة مشروعة بدعاء. وأخيرا، تكبيرة رابعة مصحوبة بدعاء كذلك. هذا إذا صدقنا بعض ما قاله الرجل قيد حياته بصدد طوفان الأقصى؛ إذ عبر عن انتمائه لمجتمع ذي تقاليد إسلامية.
لكن ما العمل؟ حين نطالع عن كتب ما قاله بصدد المقاتلين الفلسطينيين من أنهم اقترفوا ضد الإنسانية (إسرائيل) أفعالا “لا ترتكبها الحيوانات نفسها”؛ وهو ما يعني أن الفلسطينيين أدنى درجة من الحيوان. هكذا يبدو الرجل وكأنه خرج لتوه من بطون الخرافات التلمودية التي منها انبثقت إسرائيل نفسها، وهي الخرافات التي ظلت تشكل إسمنتها الإيديولوجي.
التلمود حشد من القصص المختلقة والخرافات المليئة بالأكاذيب والترهات والافتراءات. ومن يتابع قراءتها، سيصادف لا محالة الخرافة التالية: “اليهود بشر لهم إنسانيتهم، أما الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات”. وهو ما يعني بلغة المعادلات البسيطة: اليهود = الإنسانية؛ الآخرون = الحيوانات.
ومن الواضح تماما أن بعض كلام كاتب ليلة القدر، بصدد المقاتلين الفلسطينيين، خرج من رحم هذه الخرافة التلمودية؛ بل دفع بالخرافة نحو سقف لم يحلم به الصهاينة أنفسهم، وهو اعتبار الفلسطينيين أدنى من الحيوانات. وهذا كلام لا يتجاسر على قوله إلا من لا معرفة له بعوالم الحيوانات، علاوة على جهله المطبق بالإنسانية التي يزعمها؛ فهو يبدو منخلعا عن الطبيعة والتاريخ وخارجهما؛ ويجهل مجمل السيرورة التاريخ للصراع مع الإمبريالية والصهيونية، كما يجهل سيرورات الكفاح الفلسطيني المسلح، منذ انطلاق اول رصاصة في سماء فلسطين عام 1965، وصولا إلى كتائب عز الدين القسام، مرورا بالأجنحة المسلحة في فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأيلول الأسود عام 1971، والانتصار العربي المؤقت في أكتوبر 1973…
ترتيبا على سابق التوضيحات، يوائم طرح سؤال بسيط: إذا كان من الطبيعي إعلان وفاة هذه الخرافة التلمودية، فهل من الطبيعي إقامة صلاة الجنازة على جثتها النتنة؟ لذلك، لا يهم أن يستمر المرء في طرح السؤال: هل يقف عند الرأس أم عند العجيزة؟ ليست الجنازة جنازة رجل أو إمرأة، وإنما جنازة خرافة….
كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة القاضي عياض