إدريس الأندلسي
كثر الاستعمال المزور تاريخيا و لغويا ” لمعاداة السامية” و خصوصا في الغرب الذي هزم حضاريا و أخلاقيا بعد الحرب العالمية الثانية. تم تشويه التاريخ لإخفاء دور أباطرة اليهود و اغنياءهم في السكوت عن، بل و دعم، هتلر النازي في ارتكاب جريمة المحرقة ضد فقراء اليهود في أوروبا. كادت يد نظام ” فيشي” الخائن للمقاومين الفرنسيين، إلى اليهود المغاربة و لكن الملك الراحل محمد الخامس وقف ببطولة لحماية هذه الفئة من المواطنين المغاربة . كل ما في الأمر أن السامي الملك قام بحماية السامي المواطن المغربي اليهودي .
فضح المفكر الكبير روجي جارودي اللعبة الصهيونية من خلال كتابة عن أسطورة النفخ في هذه الحادثة التاريخية و معطياتها، فاقلب عليه الإعلام الصهيوني في فرنسا و ضغطت اللوبيات لمنع الكتاب و وصل الأمر إلى استصدار قانون في عهد الوزير الأول ” لوران فابيس ” في عهد الرئيس ” ميتيران ” الاشتراكي يمنع كل كتابة أو بحث تاريخي ، و لو كان علميا، يراجع المعطيات الخاطئة التي اعتمدتها الصهيونية كاطار واحد للتفكير و الكتابة عن الحقبة التاريخية. و لكن العلم لا يمكن أن تصمد أمامه قواعد المنع القانوني و الايديولوجي أو حتي الحربي. و جاء جيل آخر من المؤرخين اليهود ليفضحوا الاستغلال التجاري و المالي لضحايا المحرقة النازية. بعد الحرب العالمية الثانية، كان الناجون عرضة للازدراء من طرف غلاة الصهيونية و المالكين لزمام الإقتصاد و المال. و لم يبدأ التعامل مع الضحايا بمكر استغلال معاناتهم و الاتجار فيها إلا في بداية 1960. و كان الهدف خنق ألمانيا و دول أخرى ماليا و ايديولوجيا . ركعت ألمانيا و تسللت قوات التركيع إلى مربعات القرار الإقتصادي و المالي و الإعلامي و الثقافي بعد أن تمت السيطرة على القرار البريطاني لسلب أراضي الفلسطينيين و قيام الإستعمار الغربي بإعلان الحرب على الفلسطينيين سنة 1948. النكبة صنعها الإستعمار بمشاركة ارهابيي الحركة الصهيونية من ” الهاغانا و الايركون”. الهجمات العسكرية على الفلسطينيين من 1948 إلى 2023 مرورا بسنوات 1967 و 1973 و 1982 و سنوات قصف غزة و الاغتيالات في الضفة الغربية، كلها مدعومة بسلاح و مخابرات و جيوش الغرب الإستعماري الذي لا يركع إلا للصهيونية. و هكذا أصبح مواطن دول الغرب ، و على رأسها الإمبريالية الأمريكية، لا يستفيد من الضرائب التي يدفعها داخل بلاده بشكل كامل. تتصرف الحكومات الداعمة للجرائم الصهيونية كممول للقنابل و الصواريخ التي تدمر المستشفيات و المدارس و المساكن و تقتل الأطفال و النساء و الشيوخ. هذا هو الغرب الإستعماري الذي لم يتخلى إلى اليوم عن استغلاله للشعوب في أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية.
و رغم كل الفظاعات و الجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها الصهيونية و الدول الداعمة لها، يقف صهاينة الإعلام الغربي صفا واحدا، مع القليل الناعم من الإختلاف، لتبرير الجرائم. التاريخ المقدس لديهم هو السابع من أكتوبر. لا مذابح و لا جرائم إسرائيلية بعده و لا قبله. غلاة أشباه الصحافيين لا يتكلمون عن آلاف الأطفال الذين قتلوا داخل المدارس و المستشفيات. أوجب واجباتهم، غير المهنية، تبرير قتل المدنيين و تهجير شعب بأكمله. و كلما خاطبهم مثقف أو صحافي أو محلل سياسي بغير ما يرتضون، ينعتونه بالمعادي للسامية.
هؤلاء المجرمين يشوهون التاريخ و هم على علم أن المكون الأساسي للجنس السامي هم العرب و أن أول معاد للجنس السامي هم الصهاينة. الاشكيناز ليسوا يهودا في الأصل و لم يكونوا ابدا من أصل ” سام” حسب ما ورد في تاريخ الديانات التي كان الشرق منبثها. عدو السامية هو من دعم عصابات بالسلاح و التسلط الإستعماري لقتل و تشريد عرب فلسطين و الاتيان بشعوب من شرق أوروبا مكانهم. و حينما يتكلم الإنسان العربي عن حقوق الفلسطيني ينعت ” بمعاداة نفسه ” و هو السامي حسب كتب الديانات التوحيدية.
و كل كتب التاريخ تؤكد أن ” الساميين ” هم الاكاديين و الكنعانيين و الاراميين و الفينيقيين و العبرانيين و العرب. و لكن التشويه المقصود و المدعوم بالكذب المؤسساتي حاول أن يربط الأصل ” السامي باليهود و اليهودية” و هذا خطأ مقصود و تحريف لكل المصادر التاريخية. و لهذا فعدو السامية هو من أسس إسرائيل و اغتصب أراضي الفلسطينيين و أعتبر أن هتلر فلسطيني و وجب الإنتقام منه و ممن يسكنون فلسطين منذ مئات و آلاف السنين. همجية الصهاينة في غزة فتحت أعين العالم و خصوصا الأجيال الجديدة على جرائم إسرائيل التي فاقت عنف النازيين و ظلم كل الدكتاتوريين عبر التاريخ. البشرية جمعاء أكتشفت كذب إسرائيل حين طالبت حماس يتبادل الأسرى و ركزت على الأطفال و النساء. العالم أجمع تفرج على كون آلاف المعتقلين و الأسرى الفلسطينيين هم أطفال و نساء. لو أكتشف هذا في دولة ” الوقواق” لهاجت صحافة الغرب الصهيونية. و لكن ما دام الأطفال الأسرى فلسطينيون فلا بأس. و ” طز” في القانون الدولي و الأخلاق و الثقافة و كل المؤسسات الدولية. الكل يفضح إسرائيل إلا مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية الظالمة التي لم تعد تمتلك أية ذرة من تعبير أخلاقي لديها عن حقوق الإنسان و لا عن قانون الحروب. مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان يجد كل المبررات لدعم همجية إسرائيل. حين يسأله الصحافيون عن قتل المدنيين بغزة هذا اليوم الرابع من دجنبر ، يظل وجهه يعبر عن تقديره للقتلة و يبدي تفهمه للرسائل الإسرائيلية للمدنيين لإخلاء مساكنهم. الضربات الجوية الموجهة لقتل المدنيين تلقى رضا الإمبريالية الأمريكية صاحبة السلاح الذي يقتل أصحاب الأرض في مواجهة المحتلين الصهاينة المعادين للسامية. نسيت أمريكا أن دول وشعوب العالم لم تعد تحتمل ظلمها. نسيت أمريكا أو لم تعد تتابع ما يجري… لغات العالم أصبحت تعطي معنى حقيقي لفعل ” اسرل.. يؤسرل ” أي اغتصب حقا دون موجب قانوني و قتل و اغتصب أرضا و رمى بكل القوانين الدولية عرض الحائط. و إسم الفاعل إسرائيل و المصدر نهب و قتل و إغتصاب و دمار و همجية. هذه هي محمية أمريكا و هذه هي شريعتها التي يدافع عنها مجرمو الصحافة و الثقافة و بائعو الضمائر و المبايعون لسفاكي دماء الرضع و الأطفال و النساء و الشيوخ. ولكن شعوب العالم تعرف الآن من يسعى إلى دمار هذا العالم و ستواجهه.
إن الصبح لقريب و عتمة ليل طويل قريبة من الزوال إلى الأبد. أقول هذا ليس لأن أسلحة ستبعثها ” السماء إلى الفلسطينيين “، و لكن لأن سجن غزة و ظلم الصهاينة مكنا من خلق ظروف موضوعية للتغيير. كنا نردد أناشيد في الثانويات خلال الاضرابات بعد سنة 1968 و زاد فهمي لروحها خلال تتبعي لنضال الغزاويين. ” من قاع السجون ينبع الثوار…” من سجن غزة الأكبر عالميا نبع ثوار بعزيمة لا زالت تقهر تجبر الصهاينة. الأمر لا زال بعيدا عن نهاياته الحتمية. الصهيونية لا تريد و لا ترغب في سلام ليس فقط مع الفلسطينيين و لا مع الدول العربية و الإسلامية و لا مع دول العالم أجمع. إسرائيل بنيت على أسطورة قدرة اليهود على استعباد كل البشر الذي لا يدخل ضمن ” شعب ألله المختار” . و ألله هنا هو الإله الذي صنعته آلة كذبهم منذ قرون. كثير من المثقفين و العلماء اليهود من سبينوزا إلى فرويد و كثير من المؤرخين و الباحثين ضحكوا و نقدوا و فضحوا زيف ما كتب حاخامات صنعوا الجهل و شجعوا الجريمة بإسم إله صنعوه لهم لا لغيرهم. ألله الواحد الأحد رحيم بكافة عباده، عادل و رؤوف و منصف. لم يميز شعبا على آخر. التفريق بين البشر و تصنيفهم من الأعلى إلى الأسفل فعل بشري ننعته بالعنصري. الشعوب و القبائل من خلق الله و أكرمهم عنده من كان نهجه التقوى التي هي ضد الظلم. و لليهود المغاربة يقول كافة المغاربة أن المغرب لا يسمح لأي مغربي أن يسيل دم الفلسطيني. و ان فعل ذلك فهو عدو لأبناء الشعب المغربي قاطبة. رحلتم إلى إسرائيل في ظروف تاريخية احزنت إخوانكم المسلمين و ظللتم جزءا منهم بكل مكوناتكم. و لكن ثوابت المغرب هي تلك التي عبر عنها ملك البلاد في كافة خطاباته حول قضية فلسطين بما فيها القدس ، و ما عبر عنه ملايين المغاربة من تضامن ضد الاحتلال الإسرائيلي و شجب لكل الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني و كذلك للظلم الذي يطال اليهود الشرقيين من طرف اللوبيات الصهيونية المتطرفة.