إدريس الأندلسي
تجتاز السياسة في مغربنا جميعا أصعب لحظات تدبيرها و فهمها و التفكير في إصلاحها و حجم المتسلطين على نبلها. ممارسة السياسة قد تؤول إلى “زندقة ” ، وقد بلغت أعلى درجاتها منذ سنين. وصلت سدود بلادنا أدنى درجات التخزين في تاريخها. و وصلت البلاد كذلك إلى درجات دنيا في وعي كثير ممن يدبرون الشأن العام، و خصوصا من أصبحت لهم يد طولى في القرار حتى القرار. ساد مجالسنا المنتخبة، الجسور و المسنودة و المقتنع بقوة حدود جهله، و المتطوع ، المستفيد من كرم أسياد، لتغطية على مصدر كل علة، و لو كانت ذات آثار على ثقة في المؤسسات و في عبث و استهتار.
صيف بلادي يعري ضعف تدبير السياسات و الميزانيات و القطاعات و مستوى كثير من المسؤولين و المسؤولات. بالأمس كان البرلمان يجري التدريبات برفقة وزراء و وزيرات على ما هو مقبل من أحداث. طلبة الطب لم يجدوا آذانا تصغي. و جدوا أشباه السياسيين في موقع قرار لا يقبل معارضة و اقتراحا و حوارا. المهم أن ينتصر وزير التعليم العالي و لا يتم التشكيك في ماضيه التدبيري. و المهم أيضا أن نغطي الشمس بالغربال، و أن نسمح لأنفسنا بالاحتفال بكل كلمة ” إيجابية ” قيلت من طرف منظمات دولية أو جهوية، ثم نخفي و ” نزعف” على كل تقييم يضع نظام تعليمنا في الدرجات الدنيا عالميا. نعم لدينا نخبة من التلاميذ و الطلبة المطلوبين عالميا، كما قال السيد الميراوي بكثير من الزهو صادر عن ذاكرة تنتقي الجميل و تتناسى مستوى جماهير التلاميذ و الطلاب على مدى الوطن.
صيف بلادي خطير على القدرة الشرائية للمواطنين و على مستوى علاقة طلاب و مهنيي الطب بالحكومة. ويفضح هذا الصيف، كغيره من فصول السنة، مقالب المتحكمين في أسواق الخضر و الفواكه و اللحوم و البنزين. هذا الصيف يفضح وضعية كل أفراد الشعب المغربي، و خصوصا من يشتكون من غلاء الأسعار مرحبا و من البطالة، ثم يصوتون على اؤلئك الذين كونوا ثروات بعد اعتلاءهم كراسي المجالس الترابية و كراسي المؤسسة التشريعية. و فيهم من وجد في كراسي مؤسسات الحكامة ملاذا من ضعف راتب، و نسي أن المساهمة في قرار، يبدو تقنيا، له أثر على السياسة و على القدرة الشرائية و على تراكم ثروات بفعل لا زال البحث على فاعله متواصلا.
تتوق بلادي في هذا الصيف أن تنطلق مصفاة لاسامير من جديد لينجلي ركام ضباب مصطنع عن بنية أسعار المحروقات. تدخل المركز الدولي للنزاعات و لم يستجب كليا للمستتر ” المستهتر ” التشادي العمادي الذي طالب بملياري دولار كتعويض عن خسائر و هو الذي كان المستفيد الأكبر من تسهيلات على مستوى أداء مستحقات الجمارك و الأبناك و كثير من الموردين. حكم مركز النزاعات بمبلغ يقدر بحوالي 150 مليون دولار لصالح شركة ” كورال موروكو القابضة”. ارتأت وزيرة الاقتصاد و المالية مواصلة تدبير النزاع مع هذه الشركة، التي أعتبرها محتالة بمباركة خدامها المغاربة الراحلون و منهم الباقون، و الله أعلم. استئناف قرار ” السيردي” أي مركز حل النزاعات قد يأخذ وقتا طويلا ستزداد خلاله أرباح من لا زالوا يستفيدون من هوامش ربح كبيرة تضيق على القدرة الشرائية للمواطنين.
يبين هذا الصيف الحار أن السياسية تحتاج إلى فصل التجارة عن السياسة. و لن يغيب عن المفكرين و المحللين و العلماء و الفلاسفة و الإقتصاديين على أن احتلال مركز القرار لا يؤثر على من لهم تجارة و هم أصحاب القرار. الآثار تتعلق بالملايير في كل القطاعات. حرارة الصيف و تراجع مخزون السدود، و تراجع الثقة في الحكومة و صرخات طلاب الطب و مهنيي الصحة لا تبشر بخير. و لا تبعث الحكومة إشارات لإعادة أمل في المؤسسات. المهم هو الإصرار على مواجهة كل مطلب، و لو كان مشروعا، في كل القطاعات. و تحاول الحكومة تجاوز النقابات و التنسيقيات لتفرض مناقشة القانون التنظيمي للإضراب في عز و حر فصل الصيف.
صيف بلادي سيظل حارا ما دامت فئات مغاربة العالم يجدون كل الصعاب لحل مشاكلهم الإدارية. لا زال الحصول على عقد الازدياد و السجل العدلي و القيام ببعض الإجراءات العقارية و متابعة قضاياهم أمام المحاكم يشكل عقدة لم تنحل بعد. يشكل حصول مغربي مقيم بالخارج على شهادة سكنى بالمغرب من أجل تجديد رخصة سياقة مسارا “سيزيفيا ” بامتياز.
و ستظل الآمال كبيرة في تخليق الحياة السياسية. كم يتمنى المرء أن تصبح مفاتيح المشاركة في الانتخابات مقرونة بنظام معلوماتي يوضح بالتفاصيل الوضعية المالية و العقارية و ” الأخلاقية” للمرشحين. صيف بلادي يؤكد بالملموس أن بعض القضاة يبعثون برسائل الاطمئنان للمواطنين. يحكمون بالعدل على كثير ممن يعتبرون أنفسهم من ” علية القوم”. و هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم رغم إختلاف البطاقات السياسية التي تؤكد انتماءهم. هذا الصيف يحتاج إلى استفاقة حقيقية من غفوة طالت. لا يمكن أن ننظم انتخابات و نؤثث مؤسسات و اعضاؤها يحاولون الركوب على الفعل الملكي في قطاع التغطية الإجتماعية و البنيات الأساسية و غيرها من القطاعات. ممارسة السياسة سلوك عميق المعاني لا ينفصل عن سمو الأخلاق الإجتماعية. و لا يمكن أن يتم ملء البرلمان بمن يريد تقنينا لتجارة و هو الغارق في قلب السوق كتاجر في كل المواد.