آخر الأخبار

طالب ضيف الله …

من العادات الجميلة المنسية في بلدنا العزيز تقليد وعادة “ضيف الله”؛ وضيف الله عبارة سحرية كانت تفتح للإنسان أبواب بيوت قد يكون عصيا على غيره دخولها في الأوضاع والأوقات العادية…

ضيف الله هي بمثابة طلب غير قابل للرفض يكاد يبلغ درجة ” العار” في الثقافة الشعبية المغربية بل قد يفوقه قوة، مع الإشارة إلى أن المقصود هو المفهوم التراثي للعار وليس الدلالي، إذ أن العار في الثقافة الشعبية المغربية يعادل التوسل إلى الشخص بأعز ما يملك أو من يملك، وبالتالي تنخفض احتمالات رفض الطلب إلى أدنى المستويات…

في مراكش والمغرب القديم بشكل عام كان الناس يطلبون “ضيف الله”، وذلك بهدف قضاء يوم أو أيام بل وأحيانا عدة أسابيع في ضيافة صاحب البيت بغض النظر عن المستوى الاجتماعي لهذا الأخير، وقد تكون مدة هذه الاستضافة سويعات قليلة إذا كان الضيف في عجلة من أمره ولو أن هذا من شبه المحال لأن واجب الضيافة يحتم القيام بالواجب لمدة يوم واحد على الأقل…

وبذلك فأغلب المستفيدين من طلب ضيف الله هم عابرو السبيل، وذلك بهدف تحصيل قدر من الراحة والطعام لهم وأحيانا لدوابهم إن كانوا قادمين على متن ركوبة، لكن ضيف الله قد لا يقتصر على عابر السبيل فقط، بل قد يطلبه شخص مقيم في ذات المدينة أو حتى إنسان موسر قادم من مكان بعيد وقادر على تدبر أمر تكاليف محل إقامة أفضل، لكن الهدف في هذه الحالة لا يكون الإقامة في حد ذاتها، بل بغية مد جسور التواصل مع صاحب البيت لأغراض شتى مثل مفاتحته في شأن زيجة مستقبلية أو تعاون تجاري وخلاف ذلك من مساع دنيوية تفرضها تعاملات الناس إزاء بعضهم البعض…

جدير أيضا بالذكر أن عادة “ضيف الله” ليس تقليدا مغربيا صرفا، بل عرفته ـ ولا زالت ـ العديد من بلدان ودول العالم الإسلامي، وإلى غاية يومنا هذا، ما زالت تقام في دول المشرق العربي “مضافات”، والتي هي بمثابة مراكز إيواء يؤسسها ويشيدها الأغنياء المثرون الذين يتحملون مصاريف إقامة عابري السبيل من مبيت ومأكل ومشرب، وذلك بهدف تحصيل الأجر والثواب من عند الله سبحانه وتعالى…

وفي التراث الشعبي المراكشي القديم، تغنى أهل مراكش بهذا التقليد الجميل الذي جعلوه كآخر ما يقال في بعض “العيط” الذي يسبق “ميزان الواد”؛ حيث يقول من يلقي العيط: “وا طالب ضيف الله”، قبل أن يجيبه باقي أعضاء الفريق: “وا ها يهواي”، ثم ينتهي الطرح بكريف الميزان…

طلب ضيف الله من العادات الجميلة المنقرضة في وقتنا الحالي، فهل عصرنا هو فعلا عصر تطور مقارنة بما عاشه الأجداد، أم أنه تقدم وازدهار على مستوى القشور فقط وليس المضمون؟ تقدم تكنولوجي وتقني مقابل تراجعات خطيرة على مستوى منظومة القيم، نكتفي بطرح التساؤل والله تعالى وأعلم.

مراد النصيري