طنجة تؤهل ذاكرتها الثقافية الجميلة
تم إنجاز ساحة التيران الثقافية
إدريس الأندلسي
أصبح الولوج إلى طنجة صعبا للغاية. تصل بسهولة إلى مدخل عروس الشمال عبر الطريق السيار و أنت في حالة نفسية يغمرها شعور بالنشوة بعد رحلة من الرباط لم تدم إلا ساعتين و ربع. تخرج من هذه الطريق منتشيا ، ولكن الوصول إلى المدينة سيبقيك في موقع الصابر و غير الابه بما سينتظرك من إنتظار للوصول إلى وسط المدينة. الأمر يتطلب صبرا و ساعة من مخرج الطريق السيار الجميل إلى شاطئ طنجة حيث توجد الفنادق و الطرق المؤدية إلى أحياء مرشان و كاليفونيا و السواني و كاسا بارتا ، و عين قطويط و الشوارع المؤدية إلى إلى قلب المدينة. و أصبح عشاق الطرب الأندلسي في ” حانافتا” بمرشان يفضلون رحلة قطار سريع على سفر متعب.
طنجة تحولت إلى قطب حضري يجمع ماضيها بتمددها العمراني المعاصر في تناسق جميل. استمرار هذا التناسق يحتاج إلى الكثير من الجهد الإستثماري الذي يعاند كل توجه تكنوقراطي. طنجة التي تحمل في طيات تاريخها شخصيات كبيرة، بعضها ينتمي لعوالم الأساطير كهرقل و مغارته. و ما قيل عن آثار ” إحدى قدميه ” بالقرب من منارة ” سبارطيل” ، و أخرى تخطت المسافات الفاصلة بين القارات و الدول و على رأسها إبن بطولة صاحب مذكرات لم يصلنا إلا القليل منها . و لكن الماضي القريب يتكلم لغة حاضر لا زال يحفز القرار المحلي و الإقليمي و الجهوي و الوطني. نعم طنجة سجلت وقوف محمد الخامس و اصراره على وضع الحجر الأساسي لبناء إستقلال المغرب و الضغط على كل المستعمرين للاعتراف بوحدته. و لا زالت أهم ساحات طنجة تحمل تاريخ إلقاء الخطاب الملكي في شهر أبريل سنة 1947.
و تتجه الهامات ذات الحس الثقافي لإعادة تأهيل ثقافة و تاريخ طنجة بإرادة واعية بالتاريخ. في هذا الحاضر يعبر المثقفون و الساهرون على تاريخ طنجة على بلوغ مرحلة من أجل إسترجاع جزء مهم من ذاكرة مدينتهم . عادت عدة محطات تاريخية إلى طنجة لتؤثث مجالها الحضري بجمالية و كثير من الابتكار. توحدت الحكامة المحلية و الإقليمية و البرمجة المالية لتعيد ” بلازا طورو ” إلى سابق عهدها. و أصبحت تلك المعلمة التاريخية في الطريق المؤدية إلى تطوان تتباهى بعودتها إلى فضاء الثقافة في طنجة. و لأن إعادة الاعمار و البناء يحتاج إلى الكفاءات، فقد اجتهد أطر وكالة تنمية تنمية مدن الشمال لإعادة الأنوار إلى معلمة يرجع تاريخها إلى سنة 1950. تم تخصيصها لمصارعة “التيران” على الطريقة الإسبانية. و لكن الذاكرة التاريخية لا تحتفظ بما جرى من مصارعة ” على الطريقة الإسبانية في مصارعة عجول ضخمة ” و قتلها بطريقة لم تكن يوما ما من عاداتنا.
دفعني فضولي إلى توقف عند ورش إعادة تأهيل هذه المعلمة قبل شهرين. كانت فرق البناء تشتغل بشكل سريع. سألت أحد العاملين عن تاريخ نهاية الأعمال. لم يعطيني أية إجابة، و لكنه أكد أن ” أصحاب المشروع ” يضغطون للانتهاء من أشغال إعادة تأهيل ” بالازا طورو” . تذكرت تلك الليلة التي تسلطنت خلالها فرقة ناس الغيوان في ساحتها قبل عقود . لا زلت أتذكر ذلك التجاوب بين العربي و علال و باكو و عمر و الجمهور. و لناس الغيوان و طنجة كثير من الأحاسيس المتبادلة في تواتر عبر قاعات السينما التي احتضنت فن الغيوان.
و اليوم يحق لطنجة أن تستعيد مكونات تاريخها الثقافي. هناك مسرح سيرفانتيس الذي تجاوز قرنا من الزمن. زرت ورش إعادة تأهيله. و أكدت لي إحدى المهندسات، اللائي فاجهن سؤالي، أن الأشغال ستستمر، رغم صعوبتها، لشهور قبل أن يتم ورش يتطلب الكثير من الخبرة و الكفاءات. أمل مغرب الثقافة كبير في أن تستعيد طنجة بنيات ثقافية ذات ماض عريق. و الأهم هو القيام بعمل التأهيل الثقافي عبر وكالات تنمية مجالية تدمج العنصر الثقافي و المعطى التاريخي و كفاءة التدبير في كل ما يتعلق بتنمية المجال العمراني. و للتذكير، فإن إعادة إعمار ” بلازا طورو” تطلبت غلافا ماليا بلغ حوالي 70 مليون درهم. و يمكن التأكيد على أن هذه البنية الثقافية تتسع لأكثر من 7000 مشاهد لكافة الأنشطة الثقافية التي ستحتضنها. و لا زالت أوراش تأهيل الثقافة بعاصمة الشمال تتقدم في عدة مواقع . و لا زالت مدينة طنجة تنتظر استكمال فضاءات تكثف من إيقاع إعادة الوهج إلى تاريخ موغل في الإبداع.