بين الفينة والأخرى، وكلما طغت أحداث على الرأي العام الوطني، تطل علينا مجموعة من المنابر الإعلامية والتدوينات، بقصد أو بدونه، بخرجات قذرة لفئة مستلبة تبحث عن وسيلة للشهرة والحضورتحت قاعدة: “خالف تعرف”، وبنعيق ونهيق ملاحدة أو علمانيين أو دواجن الفكر الحداثي التنويري أو ما يطلق عليهم صعاليك الحداثة ممن يحملون بطاقة هوية تدعي الانتماء لأمة الاسلام، ولدولة شعارها: الله- الوطن- الملك، فتستغل الساحة الفارغة لتتطاول على دين الله بالطعن والسب والشتم في حق رموزه، إما بدافع هوى في النفس، أو بدافع مادي من جهات دولية معروفة تستقطبهم عبر النت أو بطرق ملتوية أخرى، أو حبا في الشهرة والظهور، وكما قيل: حب الظهور يقصم الظهور. وما يقومون به لايعدو أن يكون سوى امتدادا أو تكرارا لسيناريو صاحب الآيات الشيطانية الذي راح إلى مزبلة التاريخ مثله مثل الكثير من أمثاله الذين خنسوا واندحروا على مر التاريخ.
عمل من هذا القبيل، لا شك أنه يثير مشاعرنا كمسلمين ويثير مشاعر كل غيور على دينه ويسبب بذلك أكبر قدر من ردود الأفعال العنيفة كانتقام، لا قدر الله، وهذا أمر غير مرغوب ولا يحبذه عاقل، كما لا يحق لأي كان أن ينصب نفسه وصيا ومدافعا عن دين الله وعن رسوله عليه أفضل الصلوات والتسليم، فقد كفانا الله تعالى مؤونة ذلك بقوله ‘‘إنا كفيناك المستهزئين‘‘، لتبقى الكرة في مربع العلماء حماة الدين، وتبقى العامة في منأى عن ذلك، والدولة لها مؤسسات تكفلت بمتابعة الناعقين والناهقين ومن شابههم، ومؤسسة النيابة العامة جزء منها.
بمتابعتي لتدوينات كثير من رواد العالم الأزرق، فالكل يتساءل، عن سبب إثارة هذه القضايا ومثيلاتها في الوقت الراهن وإشغال المواطنين في معارك جانبية لن تجدي ولن تفيد في شيء بقدر ما تزيد في توسيع الشرخ الحاصل بين المواطنين، بسبب الزج بهم في صراعات رياضية كروية أو حزبية عمدت جهات لإشعال فتيلها بين أفراد المجتمع المغربي الذي تفتقد نسبة مهمة منه لثقافة الحوار الهادف، فانقسم المواطنون بين ألوان قمصان رياضية وبين ألوان أحزاب بشعارات حيوانات مختلفة وانصرفوا عن الأهم، هذا ينتقص، وهذا يشتم والآحر يرد، وتموج الساحة بالردود المتبادلة والاتهامات المجانية، بل وبوابل من مفردات السب والشتم المحفوظة وما إلى ذلك. كل هذا يجرى أمام أعين تتربص وأقلام تحصي الأنفاس وتحصي نسب المتعاطفين والمنددين وتتحين الفرصة المواتية للإجهاز على حق مكتسب أو عما بجيب مواطن مقهور أو المصادقة على صك اتهام، وأستدل بمشروع قانون الوزير بنعبدالقادر الذي أنجز بأوامر من لوبي السياسة والمال، ولما افتضح الأمر، حاول زملاؤه التنكر والهروب منه وكأنه أجرب، إلى أن طالب بسحب المشروع قائلا بلسان الحال : ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم…
قد تكون الجائحة قد ساهمت بشكل كبير في ارتفاع نسبة وعي المواطن المغربي، تلك الجائحة التي عرت عن واقع مرير لم تخصص له الدولة حيزا بأجندتها ولم تفكر فيه أصلا ولم تخطط له أو أعارته اهتمامها. فلولا الألطاف الإلهية ثم التعليمات المولوية لعاهل البلاد وتضامن المغاربة ملكا وشعبا، واستماتة مخلصين من أبناء هذا الوطن الحبيب من أطقم طبية وتمريضية حرموا من لذة معانقة فلذات أكبادهم وأهليهم، نساء ورجال الأمن الوطني، الدرك والجيش الملكي، القوات المساعدة ، رجال الوقاية المدنية، رجال وأعوان السلطة وعمال النظافة، كل أولئك تجندوا وضحوا بأرواحهم وراحتهم، فكانوا في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء، وكانوا بحق سدا منيعا للوباء الفتاك، وجنبوا المغرب كارثة عظمى لم تستطع مقاومتها أعظم الدول، وأتحفظ على كلمة أعظم التي لم يعد لها بعد الجائحة معنى أو مدلول، فلولا هذه النخبة لأحصينا موتانا بالآلاف، فتحية لهؤلاء الأشاوس.
وأعود لصلب الموضوع لأنبه إلى أن المواطن المغربي ما عاد يلتفت لسفاسف أمور تلهيه عما يكابده ويعانيه، فما على حكومة 22.20 إلا أن تضع ذلك في حسبانها، وتقوم بعملية تقييم بعد الجائحة علها تنهض بمستقبل البلاد وتستفيد من الأخطاء ومن سوء التسيير والتدبير لبعض قطاعاتها عوض البحث عن سبل تكميم الأفواه. تنبيه أوجهه أيضا لوسائل الإعلام الجادة بأن ترتقي بوظيفتها وأن تنأى بنفسها عن سفاسف الأمور وتصفية الحسابات الضيقة والمواضع التي لاجدوى ولافائدة من إثارتها وإضاعة وقت القارىء بها، وإلا فهي مساهمة في سياسة إلهاء المواطن وإشغاله بالتفاهات.
عبد الرزاق الحيحي / مراكش