إدريس بوطور
ارتبط ظهور المدارس النظامية التابعة للدولة في المغرب بالمرينيين ، الذين حكموا البلاد طيلة قرنين ونيف من الزمان (1250م/1465) بعد قضائهم على ما تبقى من سلطة الموحدين .وقد تم إنشاء هذه المدارس ، وتأمين ظروف الاقامة والتغذية لطلبتها ، والأجور القارة لفقهائها ، في المدن المغربية التالية (فاس – مكناس – أسفي – مراكش – طنجة – أزمور – سبتة – القصر الكبير – تلمسان). وكان المرام المنشود من إنشائها هو تدخل الدولة في وضع برامج التعليم ومراقبة تنفيذها ، وكذا تدعيم شرعية الدولة عبر الميدان التربوي والفكري المؤطر والمنظم . تبنت هذه المدارس المذهب المالكي الذي حاد عن نهجه الموحدون ، كما وضعت مناهج صارمة لمحاربة البدع والدجل الديني . كانت المواد المدروسة جد هامة ومساهمة بشكل فعال في تطوير المستوى الثقافي والفكري للطلبة ، وأهمها مجال تحقيق وتنقيح أمهات الكتب الفقهية الدينية واللغوية ، وتفسير القرآن والمتون التعليمية مع حفظهما ، وأسس الرياضيات وعلم الفلك ، كما تم تعزيز هذه المدارس بخزانات علمية هامة . وإذا كانت هذه المدارس ما زالت صامدة لحد الساعة في مدينتي فاس ومكناس ، وتحظى بالإهتمام من حيث الصيانة والترميم المنتظم ، فإن المدرسة والمستشفى المرينيين بمدينة أسفي لا نكاد نعرف لهما رسما ، أو حتى شاهدا طلليا من الحجارة دالا عل وجودهما ذات يوم مضى** إن السبب الرئيس في زوال المدرسة المرينية من أسفي هو الوجود العسكري البرتغالي بحاضرة المحيط بين سنتي 1508م/1541م . هذا الوجود الذي أعدم كل المعالم الحضارية التي كانت موجودة بالمدينة قبل أن يبتليها الله بهذا الاحتلال . فخلال هذه الحقبة الاستعمارية قام البرتغال بهدم السور الموحدي مع سبعين برجا صغيرا للمراقبة على طول ثلاث كيلومترات، وإقامة سور جديد على أنقاضه حسب المواصفات العسكرية البرتغالية . وبموازاة مع البناء كان التخريب يطال كل المعالم الحضارية التي أسسها الموحدون والمرينيون بأسفي ، فتم هدم مجموعة من المساجد الصغيرة الموحدية ، والمدرسة والمستشفى المرينيين . وعندما أزف زوال الوجود البرتغالي من المدينة تحت ضربات زحف السعديين ، خربوا وهدموا الكنائس التي أسسوها في فترة وجودهم ، ولو بقي لهم الوقت والرصيد الكافي من المتفجرات لهدموا المدينة بكاملها قبل خروجهم بما فيها قصر البحر البرتغالي ** مجمل القول : لقد هدم البرتغاليون أغلب المعالم الحضارية الاسلامية العلمية والدينية وهم على وشك الرحيل من أسفي ، ونحن حافظنا على ما تركوه من آثارهم العسكرية والتي لا علاقة لها لا بالفكر ولا بالثقافة ولو كان برجا وحيدا في الخلاء ،لأننا شعب متحضر مؤمن بأهمية العناية بالموروث الحضاري المشترك بين الإنسانية .فالمسلمون خرجوا من الأندلس ولم يخربوا لبنة واحدة من ابداعاتهم المعمارية رغم اتساع الوقت أنذاك ، وتركوها مصونة، حيث اصبحت في العصر الحاضر تشكل 20% من الدخل الوطني الاسباني والبرتغالي.